الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لوتس عبدالكريم وفن السير

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
خبايا وأسرار، انطباعات وحكايات، ترويها الكاتبة د.لوتس عبدالكريم في كتابها "عاشوا معي"، الصادر عن الدار المصرية اللبنانية، إنها حيوات أخرى نبحر فيها أثناء القراءة.
الدكتورة لوتس عبدالكريم من الشخصيات البارزة في الحقل الثقافي والأدبي والفني هي مؤسسة مجلة الشموع، التي رأس تحريرها الكاتب الكبير الراحل أحمد بهاء الدين. عاصرت لوتس أميرات وملكات ورؤساء وأدباء وساسة عظام في مصر والكويت وبريطانيا واليابان وإيطاليا ودول الشرق الأقصى. ولدت لعائلة عريقة بالإسكندرية، فخالها كان أمين عثمان باشا وزير المالية في العهد الملكي، وشارك جدها محمد بك عثمان في تأسيس الحزب الوطني مع الزعيم مصطفى كامل سنة 1907. 
تخصصت في أدب السيرة الذاتية، وأصدرت عدة مؤلفات تكشف جوانب خفية عن مشاهير الفن والأدب، نذكر منهم كتابها عن موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، الذي دونت فيه أحاديثه وأقواله وندوات صالونه، وكتابا عن فارس الرومانسية يوسف السباعي وكتابا عن إحسان عبدالقدوس وكتابًا عن يوسف وهبي. وأثمرت صداقتها مع الملكة فريدة عن أكثر من كتاب حول حياتها وشغفها بالفن التشكيلي. 
تدون عبدالكريم سيرتها عبر سير أخرى بأسلوب رشيق ماتع، فبين الصفحات ذكريات عن راهب الفكر توفيق الحكيم ولقاءاتها به في الإسكندرية والقاهرة، وذكريات عبدالوهاب عنه الذي أكد لها أن توفيق الحكيم وأحمد شوقي كان شاهدان على عقد زواجه الأول من السيدة زبيدة الحكيم عام 1931 وكان زواجًا سريًا حيث كانت أرملة ثرية وتخشى أن تقطع عنها الأوقاف ما تمتلك وكان لديها 7 أطفال. وتروي أن زبيدة كانت ثروتها تقدر بالملايين وأغدقت على سفرات عبدالوهاب إلى أوروبا، وهو الذي كان يعلن أنه لن يتزوج، لنعرف مما ترويه لوتس عبدالكريم أن زواجه بها استمر 12 عاما، ويقول عبدالوهاب عنها "كانت هي المدرسة التي تعلمت فيها فن الحياة...أحببت فيها أمي وأختي وحبيبتي وصديقتي". 
وترصد لوتس علاقة توفيق الحكيم بالرئيسين المصريين السادات وعبد الناصر والتي شابها الشد والجذب حيث انتقده السادات عقب إصداره لبيان المثقفين لإنهاء حالة اللاسلم واللاحرب مع إسرائيل عام 1972، وقال عنه: "رجل كهل استبد به الخرف".
تعرفنا لوتس عبدالكريم بالأستاذ نجيب محفوظ على طريقتها مسجلة انطباعاتها عنه وحوارها الشيق معه قبل فوزه بجائزة نوبل عام 1988، وتتعمق معنا في أفكاره ورؤيته الأدبية ووجهة نظره في الكثير من القضايا. وتكشف لنا ارتباط ذكرى شهر يناير بالكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس حيث ذكرى ميلاده ووفاته وقضاء أول ليلة من السنة في احتفال كبير بمنزله بحضور كبار الشخصيات. وتروي لنا وقائع زيارتها له في منزله بعمارة اليونيون الكائنة بشارع الجبلاية في حي الزمالك بالقرب من فيلا أم كلثوم وشقة عبدالحليم حافظ ومحمد عبدالوهاب ولقائها بزوجته لواحظ المهيلمي "لولا" وأولاده. وتتطرق المؤلفة للحديث مع عبدالقدوس عن علاقته بزوجته ومفهومها عن الحب وكيف كانت هي الجندي المجهول المساند له في مسيرته، والتي تزوجته سرًا ودعمته حتى أصبح كاتبًا شهيرًا، كتب عنها:" إلى السيدة التي عبرت معي ظلام الحيرة، والحب في قلبينا، حتى وصلنا معا إلى شاطئ الشمس، إلى الهدوء، الذي صان لي ثروتي، والصبر الذي رطب لهفتي، والعقل الذي أضاء فني، والصفح الذي غسل أخطائي، إلى حلم صباي، وذخيرة شبابي، وراحة شيخوختي". 
تقف لوتس عبدالكريم موقف الراوي الأمين من السيرة الذاتية الغيرية وتسجل الأحداث بحس الشاهد على الأحداث والرفيق الذي يسير الشخصيات من خارجها لدواخلها. ولعل أبرز ما يميز هذا الكتاب أسلوبه الشيق والسلس العامر بالذكريات عن الزمن الجميل ويقربنا عبر جمل حوارية من شخصيات بارزة لنعرفها عن قرب نلمس مع كلمات لوتس مزاجيتها ونستمتع بحضورها الأنيق. إنه نوع من الكتب التي تتمنى ألا تنتهي منها لتظل عالقة مع المبدعين وأحاديثهم وكأنها حفلة سمر لا تود أن يطلع نهارها.