لوحظ في الفترة الأخيرة حالة صمت تثير القلق بشأن مفاوضات سد النهضة، ولم تظهر تصريحات مطمئة من أي طرف، حتى خرج علينا قبل أيام وزير الإعلام السوداني والناطق الرسمي باسم الحكومة الانتقالية، فيصل محمد صالح، في تصريحات صحفية، أكد فيها وجود حالة من الجمود تسود بين الدول الثلاث؛ السودان ومصر وإثيوبيا بشأن ملف السد.
بل جاءت كلمات أخرى على لسان الوزير أكثر قلقلًا، حول هذا الملف، بقوله: "لا تلوح في الأفق أي بوادر من أجل بدء التفاوض حول القضايا العالقة"، وزاد على ذلك بقوله: "لا وجود لأي اتصالات من أجل استئناف التفاوض حول القضايا العالقة بين الدول الثلاث".
كلام الوزير السوداني، مؤشر على حالة مريبة في ملف يمس الأمن القومي المصري والسوداني، وحياة المصريين والسودانيين، في الوقت الذي تتمسك فيها الحكومة الإثيوبية بمواقفها دون أي مؤشرات نحو انفراجة، خصوصا فيما يتعلق بطريقة ملء سد النهضة وتشغيله، في الوقت تواصل فيه أديس أبابا ملء الخزان خلف السد الذي بدأ من يوليو.
القلق ذاته ذكره "جان فرانسوا موبي" عضو البرلمان الفرنسي وسكرتير لجنة الشئون الخارجية بالبرلمان، خلال لقاء مؤخرا مع الدكتور محمد عبدالعاطي وزير الموارد المائية والري.
فقد أكد "موبي" أنه في ضوء العلاقات والروابط التاريخية التي تربط فرنسا بمصر استمع إلى وجهة نظر مصر فيما يتعلق بسد النهضة مع التعرف على إمكانية قيام فرنسا بدور فيما يتعلق بالمفاوضات الحالية بشأن السد، لافتًا إلى أن مصر بذلت جهودًا كبيرة من أجل التوصل لحل لهذه المشكلة، وقد تابعت فرنسا جهود مصر على مستوى المنظمات الدولية والإقليمية والاتحاد الأفريقي، مؤكدًا على عدم رضاء فرنسا عن جمود الموقف الحالي، وضرورة التكاتف لحلحلة الوضع الراهن للوصول للنتائج المرجوة.
والدكتور عبدالعاطي وزير الموارد المائية والري حرص على توضيح بعض الحقائق المهمة للجانب الفرنسي، فيما يتعلق بالوضع المائي في مصر حيث ألقى الضوء على الخلفية التاريخية للعلاقات بين مصر ودول حوض النيل، وحرص القاهرة على توفير فرص التنمية في دول حوض النيل، وخاصة إثيوبيا وقيام مصر ببناء السدود مثل خزان أوين في أوغندا أو غيرها من السدود على النيل الأزرق بما فيه سدود إثيوبية حيث لم تعترض مصر عليها سعيًا منها لدعم التنمية بدول حوض النيل دون الإضرار بالمصالح المائية المصرية خصوصا أن مصر تعتمد على مياه النيل بما نسبته 97% من احتياجاتها المائية.
وشدد الوزير على حرص مصر للوصول لاتفاق عادل ومستدام وتوافر الإرادة السياسية لدي مصر لتحقيق التعاون وقضية التنمية في إثيوبيا، دون التسبب في أضرار جسيمة لدولتي المصب.
ولكن في المقابل، نستطيع أن نقول، إنه من الواضح أن إثيوبيا مستمرة في سياستها الرامية إلى المراهنة على كسب الوقت، واستغلال كل فرصة لفرض الأمر الواقع، وكل التصريحات والمؤشرات في الفترة الأخيرة، تؤكد أنها ترفض مطالبات مصر والسودان بأن يكون أي اتفاق ملزم قانونًا فيما يتعلق بآلية فض المنازعات المستقبلية وكيفية إدارة السد خلال فترات انخفاض هطول الأمطار أو الجفاف، وهو ما أدى إلى استمرار الخلاف حتى اللحظة، ووصل الأمر إلى حالة من الجمود، وفقًا لتوصيف الوزير السوداني.
ويرى الخبراء والمراقبون أن إثيوبيا تعمل كل لحظة على الدخول في المرحلة الثانية من ملء السد، دون تقديم أي التزامات، أو تعهدات تريح الأطراف المصرية والسودانية وتحقق ما يوفر عامل الأمان لحقوق البلدين المائية، بعدما أكملت بالفعل المرحلة الأولى لعملية الملء، في حالة من التجاهل لكل الخلافات القائمة بين الدول الثلاث.
المعلومات المتاحة من داخل إثيوبيا، وما نقلته وكالات الأنباء تؤكد أن أديس أبابا أوشكت على الانتهاء من بناء السد "الإثيوبي"، وتراهن على أن كلًا من مصر والسودان ستقبلان بما يتم فرضه على الأرض، وهو ما أكدته مواقفها طيلة جولات التفاوض المتعددة، والتي تمت تحت رعاية الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي، وكذلك الاجتماعات الثلاثية، وجميعها لم تسفر عن حل للقضايا العالقة.
أعتقد أن مصر والسودان مطالبان بخطوات قوية، تحمل رسائل حاسمة إلى أديس أبابا وصولا إلى ضرورة إبرام اتفاق نهائي ملزم لكل الأطراف، نظرًا لأن مياه النيل هي بمثابة حياة أو موت لكل من شعبي البلدين.