تحدثنا ونتحدث عن الشخصية الوطنية، فماذا يعنى الحديث عن هذه الشخصية؟ وما الفرق بين الشخصية الوطنية والمواطنة؟ المواطنة وحق المواطنة من المفترض أنه حق دستورى يحوزه المواطن الذى يعيش على أرض مصر في إطار الحقوق التى تُعطى والواجبات التى تُطلب من كل مصرى يحمل الجنسية المصرية، وذلك بدون تفرقة على أساس الدين أو اللون أو اللغة أو العرق أو المكان الجغرافى..إلخ، وهذه الأمور ينظمها الدستور والقانون، ولكن هل هناك تحقيق لهذه المواطنة بحقوقها وواجباتها على أرض الواقع المعيشي ؟ لا شك أنه عمليًا وواقعيًا لا نستطيع القول إن المواطنة تُحقق على أرض الواقع كما ينبغى قانونيًا، وذلك نتيجة لتراث وتاريخ ونظم حكم وتقاليد حرمت المواطن المصرى من أن ينول هذا الحق، ونتيجة لتوريث هذا المناخ وتلك السلوكيات وذلك الاستبداد تشكل الوعى الجمعى المصرى عن طريق ممارسات سلبية أفقدته القدرة على التفكير الصحيح مما سطح الوعى الجمعى للجماهير، وقد ساهم في ذلك نوعية التعليم والإعلام وكذلك المؤسسات الدينية.
أما الشخصية الوطنية فهى تلك الشخصية المصرية الواعية والمفكرة والمنتمية إلى هذا الوطن، فهى الشخصية التى تفصل بين الوطن، الذى هو ملك للجميع ماضٍ وحاضر ومستقبل، وبين الأنظمة السياسية الزائلة والمتغيرة نتيجة للمتغيرات السياسية التى تتأثر بالمتغيرات العالمية.هى الشخصية التى تحقق طموحها الذاتى المشروع والمطلوب في إطار ظروف ومعطيات المصلحة العامة الجامعة. هى الشخصية التى لا تساعد في انحراف ولا تشارك في رشوة ولا تصمت على فساد ولا تتعالى على القانون ولا تسقط منظومة القيم. ولا شك أن كل هذا وغيره لا يكون من فراغ، ولكن يأتي ويتكون من خلال الأخذ والعطاء، فلا حياة طبيعية بدون أخذ وعطاء، فعندما يحصل المواطن على حقوقه لا شك سيكون طائعًا ومقتنعًا بأداء واجبه، وعندما يشعر المواطن أنه مشارك في اتخاذ القرار السياسى بشكل غير مباشر وعن طريق اختيار من يمثله في البرلمان بكل حرية وبلا أي وصاية سياسية أو دينية أو قبلية أو طائفية...إلخ. عندما يتساوى في المراكز كل الحاصلين على المؤهلات المطلوبة للمركز بدون تفرقة أو وساطة. عندما يطبق القانون على الجميع بدون استثناء بعيدًا عن (أنت مش عارف أنا ابن مين؟).عندما يكون الطريق مفتوحًا للوصول إلى المواقع التنفيذية والسياسية والتشريعية بالكفاءة والقدرة الشخصية والعلمية والسياسية وليس بالقدرة المالية...إلخ. هنا وهنا فقط نكون قد عرفنا كلمة السر ووضعنا أقدامنا على بداية الطريق الصحيح لتكوين الشخصية الوطنية المنتمية. وعلى ضوء ذلك نقول إن بداية تكوين الشخصية الوطنية يبدأ من المؤسسات الدينية، فهل بالفعل مؤسساتنا الدينية تقوم بدورها المهم في تشكيل وتكوين الشخصية الوطنية المنتمية التى يحتاجها الوطن الآن خاصة في ظل الظروف والتحديات الخطيرة التى تواجه الوطن؟ لا شك أن المؤسسات الدينية تأتى في مقدمة المؤسسات المصرية التى تعمل وتساهم في هذا التكوين، قبل المؤسسات والأنظمة السياسية، ذلك حيث إن هذه المؤسسات ترتبط بالدين الذى عرفه المصريون قبل أن تنزل الأديان، فالدين والتدين في مصر يمثل لكل المصريين على اختلاف ديانتهم أهمية لا تدانيها أهمية، وما نقصده هنا هو الدور الدينى الذى يقوم على خطاب دينى صحيح يلتزم بالثوابت الدينية والأخلاقية ويقوم بزرع القيم والمبادئ والمُثل العليا التي تنسحب بدورها على تكوين وتربية الفرد الذي هو أساس المجتمع، وبالتالي يصبح كل فرد عارف بحقوقه وواجباته ومحارب للفساد بدايةً من ذاته ثم من حوله في المجتمع، فصلاح المجتمع والأنظمة السياسية يبدأ من صلاح الفرد، كما على هذه المؤسسات أن تدرك المتغيرات الحياتية والعلمية والتكنولوجية لكى تجتهد في مزيد من فقه الواقع الذى يوازن بين الثوابت والمتغيرات، وهذا للمؤسسة الإسلامية والمسيحية، فالخطاب الدينى ( أي تفسير البشر للنص الدينى) يخضع للواقع ويتأثر بالموروث والعادات والتقاليد التى تأخذ مكان المقدس وهى ليست بالمقدس، الأهم هنا أن هذه المؤسسات التى لها كامل الاحترام هى مؤسسات تاريخية تبنى على ما سبق دون تمحيص هذا السابق، وإذا كان يتوافق مع الحالى أم لا، وذلك يجعل هذا الموروث نوعًا من الثوابت التى من الصعب الاقتراب منها، ولذا فالجميع يأخذ دورته وزمنه تاركًا الأمر للقادم وهكذا، فمصر يا سادة تحتاج تلك الشخصية الوطنية المنتمية المدركة لما لها ولما عليها، وعلى الجميع أداء الدور وتحمل المسئولية. حمى الله مصر من كل شر.