توجد ثمة عوامل ومتغيرات مسئولة عن خطاب أزمة الهوية الدينية بالصحافة المصرية، ويندرج في إطار ذلك مجموعة من الأطروحات التى قدمها الخطاب الصحفى، والتي ترصد العوامل المسئولة عن حالة الضعف ومظاهر الأزمة التي تمر بها الهوية الدينية والتى ينجم عنها تفجيراتٌ إرهابية لشبابٍ مسلم يعتقد أن ما يفعله هو الجهادُ في سبيل الله، وقدمت الدراسة المهمة التى أعدها د. محمد جاد المولى حافظ عويس أستاذ الإعلام المساعد بكلية الآداب جامعة بنها عرضًا للمسارات الموضوعية التى توزعت في إطارها الأطروحات الخاصة بمسببات أزمة الهوية الدينية كما وردت في الخطاب الصحفى.
وقد تمثّل المسار الموضوعى الأول في عدم فاعلية المؤسسات الدينية المرجعية (الأزهر ودار الإفتاء) في مواجهة الفهم الخاطئ للإسلام وتعاليمه السمحة، حيث يتجه الخطاب إلى تناول أطروحات تركز على القصور الوظيفى للمؤسسات الدينية المسئولة عن تجديد خطاب الهوية الدينية، ووجود قصور في فهم التجديد، وعدم امتلاك الإمكانات والوسائل الممكنة لتحقيق خطاب دينى وسطى يواجه تشويه الهوية الدينية. ويطرح حسين عيسى "جنوح عديدٍ من التفاسير وقراءات الفقهاء وعلماء الدين إلى الانغلاق والتزيد، وربط المعانى والأفكار بالنظم السياسية القائمة وقت كتابة التفسير أو التحليل".
ويتفق هذا الخطاب مع طرح محمد العجمى بصحيفة "الوفد"؛ حيث ذكر "ما أحوج الصعيد لخطابٍ دينى يبعدهم عن التعصب والعنصرية، ويخرجهم من ظلمات الاعتقادات الخاطئة، والقبلية إلى نور وسماحة الإسلام. كنت أتخيل ذلك، ولكن يبدو أن ما يتخيله الإنسان بعيد عن أرض الواقع، وذلك لأن من يخطط وينفذ في أجهزة الدولة أيضا بعيد عن أرض الواقع. ويتعارض طرح أحمد إبراهيم بصحيفة "الوطن" مع الأطروحات السابقة ويذكر "الأفكار الجامدة موجودة في كل الأديان، وكذلك المتطرفون، ولكنهم قلة ولن يمنعوا التعايش السلمى بين أبناء الإنسانية، فلا نُحَمّل الأزهر مشكلات البشرية. من المؤكد أن ما أصاب مؤسسات الدولة من ضعف طال الأزهر الذى يحتاج إلى التطوير، لأنه القوة الناعمة التى ما زالت لمصر في الخارج، ويجب التفكير في كيفية حسن استغلالها محليًا ودوليًا".
وتمثّل المسار الموضوعى الثانى في احتواء المناهج الدراسية والكتب الدينية لأفكار دينية تهدد هوية المجتمع؛ حيث يوجد ثمة اتفاق في الخطاب الصحفى في وجود إشكالية تتعلق بالمناهج الدراسية الدينية؛ حيث يتناول خطاب "الأهرام" طرحًا للدكتور حسين عيسى يُظهر "أن التعليم الأزهري به مفاهيم وآراء مغلوطة لا تمتُ إلى الإسلام بِصّلة، فيحصدُ المجتمعُ في النهاية مزيدًا من العنف والإرهاب والتطرف". وتمتدُ أفقُ هذا الخطاب ليطرح حسن الرشيدى بصحيفة "الوفد" طرحًا مهمًا مؤداه "ما أصابنى بحزنٍ عميق أن يكون بين الإرهابيين المجرمين الخونة الذين اغتالوا النائب العام المستشار هشام بركات.. طلابٌ بالأزهر. فالأمر يتطلب تنقية بعض المناهج التى تُدّرس بالأزهر.. خاصة التى تغرس أفكارًا وآراءً تدفع للتطرف والإرهاب والعدوان. وفى هذا السياق، يرى خالد منتصر بصحيفة "الوطن" أن "الفتنة هى الغرض الحقيقى، وأن ينقسم الوطن بسكين الفتنة المسنون، التى ستقتحم البيوت والعقول والمقاهى هى أفكار التكفير وكراهية الآخر، أفكار في مناهج دراسية وكتب دينية وبرامج تليفزيونية، بح صوتُنا من تكرار تلك النداءات، ودائمًا النتيجة حذف سطر هنا وجملة هناك، لكن المنهج التكفيرى يطل برأسه الثعبانية كل فترة من بطون الكتب وسلالم المنابر".
وتمثّل المسار الموضوعى الثالث في انسداد قنوات الحوار؛ حيث لوحظ ندرة الأطروحات في مسار تلاشى ساحات الحوار كأحد مسببات أزمة الهوية الدينية، وربما يُعزى ذلك لطبيعة المناخ الصحفى السائد، ورغبة الصحف في تقديمِ خطابٍ للهوية الدينية يتسق وتوجهات الدولة وتصوراتها لهذا الخطاب.
كما لوحظ اقتصار الحوار مع الآخر الدينى وليس مع أبناء الدين الواحد، وتطرح سعاد أبو النصر "لم يكن يرد في خلد أى مصري قديم أن يأتى يوم نشرح كيفية تهنئة غير المسلم بعيده.. إن التسامح شيمة المصريين فكيف نبدأ بما أرسينا منذ آلاف السنين". بينما يختلف خطاب "الوطن"؛ حيث يؤكد ياسر عبد العزيز على وجود أزمة سببها "الانسداد السياسى الذى يعانى منه العالم العربى، وتسلط الحكومات، وتردى الاقتصاد، والتراجع العلمى والثقافى المزرى، وبعض مروجى الفتن من أصحاب المصلحة في إنهاك المجتمع وصرفه عن قضاياه الرئيسة، في زيادة قابلية الجمهور للانقياد إلى بعض الممارسات الخاطئة التى ترد عبر الإعلام الدينى الفضائى".
وتمثّل المسار الموضوعى الرابع في مجموعة متغيرات متنوعة حظى بها الخطاب كل منها يتواجد بحدود في الخطاب مثل عدم وجود إستراتيجية عربية ودولية للتصدى لظاهرة الإسلاموفوبيا، وطبيعة أنماط التعليم الديني والتنشئة السائدة، كثرة المواقع الدينية وحرية إنتاج المحتوى الدينى الضار للمجتمع.
ولكن ما الحلول التى يمكن تقديمها لأزمة الهوية الدينية؟، هذا ما نعرضه في المقال القادم بإذن الله.