الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الفارس النبيل يعلمني درسًا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الشطرنج، مملكة الحرب والفنون والمشاعر، ساحة القتال التي لا تنفض، أسطورة العقل الذي يتغلب على القلب دائما.
قطع مجسدة تكاد تنطق بالحياة، تخطو بأناقة، تتصرف بشياكة، تنفذ رغباتك دون جدال، لديها صبر أيوب، مخلصة حد الموت، تلتف حول مليكها وتفتديه بالروح والجسد، الوزير لا هم له سوى افتداء الملك، الفيل يجتهد بخطوات ثقيلة كي يدفع عن مليكه الأذى، عشرات الجنود يتقدمون بجرأة كاشفين صدورهم للموت دون الملك والمملكة .
بينما نحن البشر لا يعنينا سوى اللهو بهم، نحركهم بعصبية بلا روح، نتلاعب بهم دون مشاعر، نعصف بأمانهم دون رحمة .
لا نرى أحلامهم التي تتكسّر على أيدينا، لا نأبه لآلامهم التي نُأرجحها حسب أهوائنا، لا نعبأ بهم كأفراد في مجتمع صغير يجاهد كي يعيش، متناسيين أن الجماد يشعر ويحس وربما يبكي ويتألم، بل وتصل بنا القسوة والتلذذ أن نتذاكى عليهم ونمنحهم نهاية مختلفة في كل مرة، ونشعر بلذة الانتصار ونحن نلقيهم خارج الطاولة جثة هامدة دون شفقة .
ومن بين تلك الشخصيات التي يكسوها الحزن الجميل، المستسلمة لأقدارها دون شكوى، أقف مبهورة أمام الحصان، هذا الفرس النبيل الذي يقاوم هوى نفسه في الإنطلاق بعيدا عن تلك الساحة، التي لا يهدأ فيها ولايتذوق طعم الراحة، الفرس النبيل الذي يرفض إغراءات التحرر من القيود، ولا يأبه لنداءات ساقيه بأن يطلقهما للريح ليتنسّم عبير الحرية، ويظل ملتزما بقواعد اللعبة حتى الموت، لا يخرج من ساحة القتال إلا وهو جثة هامدة بالرغم من قدرته على أن يقفز عبر الحدود ويطلق ساقيه للريح.
وفي الشطرنج كما في الحياة تتغير خططنا ونظرتنا للأمور مع كل خطوة نخطوها، فهناك من يستسلم للحياة وزينتها فيطاوعها دون تفكير أو ضمير، دون حساب للخير أو الشر، وهناك من يقاوم هوى نفسه متحليا بشجاعة المبادئ، حاملا قلبه بيمينه كما السيف، لا يخاف لومة لائم، لا يطلق لرغباته العنان، إنما يفتح قلبه وحواسه للكون وخالق الكون، متتبعا ضميره وحدسه كما لو كان فارسا متفرداً .