تابعت بأسًى وحزنٍ شديدين ما تعرض له أحد أبناء قواتنا المسلحة الجندي المجند (....) في أحد خطوط سكك حديد مصر، فخرنا وتاج رأسنا الجندي الغلبان، لم يكن يملك قيمة تذكرة القطار، ففتح ناظر المحطة والكمسري محضر تحقيق، كان يمكن أن يؤدي بالشاب البسيط للمحاكمة فضلا عن غرامة مالية إضافية على ثمن التذكرة، وضياع الـ48 ساعة الذي كان يمتلكها لقضاء إجازة قصيرة مع أسرته التي لم يرها بالتأكيد منذ شهور، لأنه أحد المرابطين على حدود البلاد شمالًا أو جنوبًا، شرقًا أو غربًا؛ لحماية هؤلاء الذين يمتلكون ثمن التذاكر الفاخرة وسيارات "الفشخرة" وحفلات الفيرمونت!
لن أتطرق للتنمر الذي تعرض له الشاب، ومع إشادتي وتقديري لموقف السيدة المصرية الأصيلة التي تصدت لهذا السلوك الشائن وتحملت دفع مبلغ التذكرة له، ولكنني أُذكِّر الجميع بما يجب أن يعامل به الجندي المصري سواء كان مجندا بالجيش أو الشرطة.
بعد حرب يونيو، وحتى حرب العبور العظيم، وبعدها، كان أبناء مدن القناة (بورسعيد، السويس، الإسماعيلية) وسيناء معفيين من رسوم الدراسة والإقامة في المدن الجامعية، ويتقاضون مكافأة شهرية قدرها خمسة جنيهات، مع اشتراك مفتوح للمواصلات العامة يجدد سنويًّا، وعندما التحقنا بالخدمة العسكرية عقب التخرج، كان مجرد إبراز البطاقة العسكرية كجندي كفيل وحده بعدم دفع أي رسوم في المواصلات العامة.
ولا أعرف هل تم إلغاء هذه الميزة التي يجب أن يتمتع بها الجندي المصري أم لا؟ وإن كانت كذلك فيجب عودتها فورا في كل وسائل المواصلات العامة، ومجرد أن يبرز الجندي بطاقته العسكرية، يجب فتح الأبواب له فورا في خطوط المواصلات العامة بين المحافظات وداخلها والمترو، وهذا أقل شيء يمكن أن نقدمه للمجندين في الجيش والشرطة، فتضحيات هؤلاء الأبناء أغلى بكثير من تذكرة قطار، وهم لا يقلون شأنًا أو دورًا عن فئات -مع كل التقدير لها- يتم حجز الدرجات الأولى لها حتى لو لم يلتحق بها أحد.
كنّا جنودا في نهاية السبعينيات، نؤدي واجبنا الوطني ونعرف جيدا أن الانضباط أحد أسس العسكرية المصرية، وكان زينا العسكري سواء كجنود أو ضباط احتياط كفيلا بالتزامنا بسلوك يليق بهذا الزِّيّ الذي يفرض علينا احترام ما نمثله، وكان ولا يزال هذا السلوك سمة من سمات وقيم المؤسسة العسكرية المصرية التي تمتعت بزهو واحترام واعتزار كل فئات شعبنا المصري.
نحن لا نطلب الكثير ولا المستحيل، فالجندي هو العمود الرئيسي في جيشنا المصري العظيم، وأعتقد أن ثمن تذكرة قطار بل ثمن قطار بأكمله لا يضاهي قطرة عرق واحدة تسقط من جبين الساهرين على حماية الوطن!.