الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

طه حسين ومستقبل الثقافة في مصر «3»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يستهجن طه حسين استهانة البعض بقيمة التعليم، فيقول: «إن الذين يُذْكَر لهم التعليم العام أو التعليم العالى فيرفعون أكتافهم استهزاءً، ويهزون رؤوسهم استهانةً، ويقولون: أعدد لنا الزرَّاع والتجَّار والصنَّاع فنحن إليهم أحوج منا إلى الذين يخرجون من الجامعة ومدارس التعليم العام». (ص 145).
ويرد عليهم طه حسين قائلًا: «لن نستطيع أن نُخْرِّج لهم رجال الزراعة والصناعة والتجارة والأعمال بوجه عام إلا إذا أخرجنا لهم قبل كل شىء هؤلاء المثقفين الممتازين والمتوسطين الذين يفهمون الحياة وحاجاتها وضروراتها، والذين تعرض لهم مشكلات هذه الحياة فيعرفون كيف يأخذونها وكيف يرددونها وكيف يظهرون عليها وكيف ينفذون منها». (ص 145).

لن يترسخ الإيمان بالتعليم وقيمته وأهميته في نفوس المعلمين والمشرفين إلا إذا زالت من قلوب المسيطرين على الأمر وانمحت تلك العواطف التى تصور لكثير من الحكام والوزراء والأغنياء أن الشعب مثله مثل الحيوان يحتاج عطفًا واحسانًا. 
يرفض طه حسين بشدة القول بأن الشعب المصرى يحتاج إلى من يرفق به ويعطف عليه، لأن الشعب المصرى ليس في حاجة إلى مثل هذه العواطف التى يظهرها أو يتظاهر بها الحكام والأغنياء والقائمون على إدارة شئون البلاد على مر الزمان، ذلك لأن الشعب ليس مجموعة حيوانات نرفق بها ونعطف عليها ونحسن إليها، إنما الشعب صاحب حق، إنه صاحب الحق المطلق المقدس في أن تسود المساواة والعدالة بين أبنائه جميعًا. 

يقول طه حسين في هذا الصدد: «لا بد من أن تزول من نفوس السادة والقادة والرؤساء والمسيطرين عواطف الاستعلاء على الشعب وعواطف الإحسان إلى الشعب، لأن الإحسان على هذا النحو مظهر من مظاهر الاستعلاء، ولابد من أن تقوم مقام هذه العواطف عواطف الإيمان بالمساواة والعدل بين أبناء الشعب». (ص 146)
يُشَبّه طه حسين التعليم بالقضاء، والمعلمين كالقضاة، ويطالب بتحقيق الكرامة والطمأنينة للمعلمين أولئك الذين نأمنهم على نشر العلم والمعرفة بين أبناء الشعب، تمامًا كما نطالب بتوفير الكرامة والطمأنينة للقضاة أولئك الذين نأمنهم على تحقيق العدل بين الناس. (ص ص 147 – 148) 
ولقد انتبه طه حسين إلى خطورة «التعليم الدينى» الذى انفرد الأزهر – وما زال – بالإشراف عليه وإدارة شئونه، ورأى أن من حق الدولة، بل ومن الواجب عليها أيضًا أن تُشْرف على التعليم الدينى، ولا تتركه لسيطرة الأزهر وهيمنته. وما دام الأزهر حريصًا على أن يقوم بالتعليم الأولى الأزهرى والتعليم الثانوى الأزهرى، فلا بد إذن – وكما يقول عميد الأدب العربى - من أن يتحقق الإشراف الدقيق للدولة على هذا التعليم الأولى والثانوى في الأزهر، لتتثبت الدولة من أن المصريين جميعًا ينشأون على معرفة وطنهم وحبه، والاستعداد للتضحية في سبيله، والإتقان للغته وتاريخه، وتقويمه ودينه. (ص 61)
فيجب إذن أن يكون لوزارة التعليم مفتشون يلاحظون التعليم الأولى والثانوى في الأزهر، ويرفعون تقاريرهم عنه إلى الوزارة، ويجب أن تشترك وزارة التعليم (المعارف سابقًا) في الامتحان لهذين النوعين من التعليم اشتراكًا يمكنها من الإشراف عليه والرضى عنه. هذه أمور تفرضها طبيعة الأشياء. ويطلبها طه حسين بالقياس إلى الأزهر كما يطلبها بالقياس إلى التعليم الخاص المصرة والأجنبى. 
وهناك شىء يجعل حاجة الأزهر إلى إشراف الدولة على تعليمه الأولى والثانوى ضرورة ماسة في هذا الطور من أطوار الحياة المصرية وهو: أن الأزهر بحكم تاريخه وتقاليده وواجباته الدينية بيئة محافظة تمثل العهد القديم والتفكير القديم أكثر مما تمثل العهد الحديث والتفكير الحديث. 
ولا بد من تطوير طويل دقيق قبل أن يصل الأزهر إلى الملاءمة بين تفكيره وبين التفكير الحديث. والنتيجة الطبيعية لهذا أننا إذا تركنا الصبية والأحداث للتعليم الأزهري الخالص، ولم نشملهم بعناية الدولة ورعايتها وملاحظتها الدقيقة المتصلة، عرضناهم لأن يصاغوا صيغة قديمة، ويكونوا تكوينًا قديمًا، وباعدنا بينهم وبين الحياة الحديثة. فالمصلحة الوطنية العامة من جهة، ومصلحة التلاميذ والطلاب الأزهريين من جهة أخرى، تقتضيان إشراف وزارة التعليم (المعارف سابقًا) على التعليم الأولى والثانوى في الأزهر. (ص 63)
شىء آخر لا بد من التفكير فيه، والطلب له، وهو أن هذا التعليم الأزهرى القديم قد يجعل من العسير على الجيل الأزهرى الحاضر إساغة الوطنية والقومية بمعناها الحديث.