حين سافرت هذا الصيف إلى الساحل الشمالى لقضاء إجازتى السنوية اكتشفت أن ظاهرة جديدة باتت تطفو على السطح وتسود بين أبناء طبقة الأثرياء الذين يقطنون هاسيندا ومراسى وسيشيل وغيرها من القرى التى يبلغ فيها سعر الشاليه الصغير عشرات الملايين من الجينهات.
وهذه الظاهرة تبدو واضحة بين جيل من الشباب تربى على أن كل شىء يقاس بالمال،فما دمت غنيًا فمن حقك أن تفعل أى شىء وكل شىء، ولا تحدثنى عن ثوابت دينية أو أخلاقية تحكم هؤلاء الذين نحتوا ألفاظًا جديدة في لهجتنا المصرية ومزجوا بها كلمات من الإنجليزية،فصارت لغتهم لا يفهمها إلا هم،كما وضع هؤلاء أعرافًا اجتماعية جديدة لم تكن معروفة من قبل أو كانت مذمومة،مثل "متصاحبين" تلك الكلمة التي بات على الجميع أن يعلموا أنها مرادفة لكلمة "أزواج" ولكن دون أى سند شرعى أو رسمى، وليس عيبا أن تفاخر الفتاة بين صديقاتها وهى تردد "أنا وفلان متصاحبين،أو فلان أصبح ماى إكس"وإذا جالست هؤلاء فعليك أن تجاريهم وإلا كنت متخلفًا ورجعيًا خاصة إذا رفضت احتساء الفودكا والويسكى والواين، فهذا هو عصير فاكهة بالنسبة لهم، وأحاديث هؤلاء تنصب على "البراندات" أو ماركات الملابس والأحذية والسيارات والساعات، فتستمع لأحدهم وهو يقول"الواد فلان اشترى ساعة أوديمار بخمسين ألف دولار،وفلان قرر أن يبيع سيارته الرنج روفر وأن يشترى روزاريس أو بنتلى،ثم ينظر أحدهم إلى حذاء الآخر مرددًا "إيه القرف ده، حد بيلبس –يذكر اسم الماركة- يا أخى روح اشترى شوز فالنتينو"وعندما تسأل عن سعر هذا الحذاء الذى يتحدثون عنه تكتشف انه يقارب من العشرين ألف جنيه، ثم ينتقلون في أحاديث الفشخرة إلى السفر، وماذا فعل فلان في هولندا وكيف قرر علان زيارة إيطاليا، ثم يلتفت أحدهم فيجد شابًا يستقل سيارة مرسيدس طرازها يرجع إلى عامين سابقين،فيشير عليه في كبرياء وتفاخر مرددًا "الكمباوند لم يا جماعة وبقى فيه ناس فقرا"،وهؤلاء لا يسمحون لمستأجر أن يكون وسطهم خاصة إذا كانت ابنته محجبة،فالحجاب عندهم يعنى التخلف،وبعض هذه الأماكن وضعت لافتات كتب عليها ممنوع نزول حمامات السباحة للسيدات بالبوركينى،النزول بالبكينى فقط،أما عن الحفلات الليلية لهؤلاء فحدث ولا حرج،إنهم يعيشون حياة لا يعيشها الشاب الأوربى،حالة من المجون والتكبر والفشخرة - حسب التعبير الذى استخدمه الفنان زكى فطين عبدالوهاب - والذى استفزته تلك الحالة المنتشرة سواء في الساحل الشمالى أو في الجونة،وهى حالة مستفزة فعلًا، فمعظم هؤلاء يتعاملون مع البسطاء على انهم مجرد "عبيد" خلقوا لخدمتهم، وعليك ان ترى كيف يتعامل الشاب منهم مع أحد العاملين في مطعم أو عند بوابة الدخول،منتهى الكبرياء والغرور،وهؤلاء لا يشاهدون السينما المصرية ولا الدراما المصرية بل يشاهدون المنصات العالمية ويتابعون الأفلام العالمية الحديثة وبعضهم فقط هو من يستثنى عمرو دياب ليسمعه،وقد غازلهم عمرو دياب حين غنى "لهم في أماكن السهر" تلك الأماكن التى لا يدخلها إلا هؤلاء،وفيها يحدث ما لا عين رأت ولا أذن سمعت،وبعد انتهاء السهرة ينتقلون إلى بيت أحدهم لتقام حفلة أخرى أسموها"أفتر"وفيها يباح كل شىء، وبعضهم يحدثك عن مجتمع الميم وعلم الريمبو فتدهشك الثقافة الموسوعية التى يتمتع بها هذا الشاب الذى لا يعرف من تكون عائشة رضى الله عنها،والغريب أن كل هذا يحدث على مرأى ومسمع من آبائهم وأمهاتهم،والغريب أيضًا أنك حين تفتش في أصل هؤلاء ستجدهم لا ينتمون إلى طبقة أرستقراطية قديمة ومعظمهم لم يرث المال وانما صنعوه بطرق شتى ثم أعطوا لأبنائهم الحق في أن يفعلوا كل شىء،والسؤال:لماذا كل هذه الفشخرة الكذابة ولماذا تصمت الأمهات ويوافقن على ما يحدث في الشواطئ الخاصة من بناتهن،حيث السكر والعرى باسم الحرية،ملعونة تلك الحرية التى لا تتفق مع ثوابت ديننا أو أخلاق أجدادنا من المصريين الذين وضعوا دستورًا لمجتمعنا منذ قديم الأزل يحوى مجموعة من القيم والمبادئ هى الحامية لهذه الأمة من الانهيار،وأجدنى هنا أطالب الحكومة باتخاذ إجراءات حاسمة ضد هؤلاء لحماية مجتمعنا وللحد من هذه الظاهرة المستفزة حقا،وهنا أتذكر مافعله الرئيس الراحل عبدالناصر حين قرأ عن مسابقة ستعقد بين شباب أحد النوادى الراقية لاختيار ملك جمال مصر فأمر بالقبض على جميع المشاركين وحلق شعورهم وإلحاقهم بالجيش مصنع الرجال.