الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

إيرادات بعيدة عن تذكرة المترو

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كلما جاء افتتاح مرحلة من مترو الأنفاق، أو مشروع طرق ومواصلات، يطرح السؤال الصعب نفسه، من أين سنمول التوسعات، وهل سعر تذكرة الركوب، أو رسوم المرور مناسب حاليًا، والقرار الأسهل دائمًا رفع قيمة التذكرة، ورسوم المرور على الطرق، بينما يبقى التفكير خارج الصندوق، من خلال دراسة تجارب أخرى عالجت الأمر بطرق تمويل مختلفة، منها تكلفة الركوب والمرور أيضًا، بعيدًا نسبيًا.
كتبت من قبل عن هذا الملف، ولن أكل وأمل في الكتابة عنه، فقبل سنوات ليست بالقليلة، طلب رئيس الهيئة القومية للأنفاق برفع أسعار تذاكر الركوب من جنيه إلى جنيهين لتغطية التكاليف المتزايدة، لتعظيم الموارد لتوسعة الشبكة وتحديث العربات وغيرها من الأمور، وذلك بعد وصول خسائر المترو، وقتها، إلى 180 مليون جنيه، مع ارتفاع تكلفة التشغيل 30% عن الإيرادات، وتم رفع سعر التذكرة بالفعل، ثم تكرر الأمر مرة أخرى، وتم تقسيم التذكرة على فئات حسب عدد المحطات، وتكرر الأمر مرة أخرى قبل أيام، عندما طلب الرئيس عبدالفتاح السيسي حساب التكلفة الفعلية، وإعادة تسعير تذاكر المترو، وهو ما تم في اليوم التالي.
الكلام في مضمونه الاقتصادي والتجاري معقول، ولكن لم يتم في إطار الأبعاد الاجتماعية لمثل هذه الزيادة، في مرفق خدمي رئيسي، يتعلق بمصالح وخدمات شرائح رئيسية في المجتمع، خصوصًا الطبقات الدنيا، والعمال والموظفين والطلبة، وغيرهم من ملايين مستخدمي المترو كوسيلة نقل شعبية معروفة في كل بلدان العالم.
وعادة كل المسئولين عندما يواجهون قضايا مالية تتعلق بتوفير إيرادات، فأسهل الحلول التي يتبعونها لتغطية أي عجز، أو لتمويل مشروعات، يتجهون مباشرة إلى قرارات رفع الأسعار، بغض النظر عن المتضرر من الزيادة، أو من يتحمل عبء ارتفاع الأسعار، والتي غالبًا ما يتحملها المستهلك أو المستخدم النهائي للسلعة أو الخدمة.
ولكن هل لجأ المسئولون إلى الاجتهاد قليلا، والتفكير في حلول ليس لها أبعاد اجتماعية، ودراسة الأمور من كل جوانبها، ووضع البدائل المناسبة لتنويع الإيرادات، بعيدًا عن الأعباء الاجتماعية على الجمهور العريض من أبناء الوطن، أم أن الابتكار أصبح من الحلول المنسية؟
ففي بلدان العالم المختلفة، ووفقًا لمشاهدات وتجارب واقعية في العديد منها، تتحوّل خطوط المترو، وتحديدا محطاتها إلى مورد إيرادات رئيسي، وأداة تمويل ذاتية، من خلال خطط مدروسة بشكل جيد، للاستغلال الأمثل لهذه المحطات، وهو ما لم نستغله حتى الآن في نحو 60 محطة مترو على طول الخطوط الثلاثة.
وهل نجحنا فعليًا في تحقيق أفضل استفادة من الإعلانات في محطات المترو؟، فقد تكون النتيجة مُخيبة للآمال، ولكن ليس الإعلانات وحدها هي السبيل إلى تحقيق موارد غير تقليدية من المترو، بل ظهرت في السنوات الأخيرة تجربة ابتكارية، تتمثل في نظام ''حقوق تسمية محطات المترو''، وذلك من خلال شراكات مع الشركات والمؤسسات الخاصة والكبرى، تقضي بتسمية المحطات لمدة محددة، مقابل مبلغ سنوي يتم الاتفاق عليه، وتأجير محلات تجارية في المحطات الكبرى، خاصة أننا نمتلك الآن أكبر محطة مترو في المنطقة، وربما العالم.
التجربة بدأت في "مترو دبي" منذ انطلاقته في 9 سبتمبر 2009، ووصل عدد الشركاء في تسمية المحطات لـ15 شريكًا، من خلال حق تسمية المحطات لمدة 10 سنوات، ومنذ بدء تفعيل المشروع وحتى العام 2019 حقق إيرادات المترو بما فيها حقوق التسمية وإيرادات المحال التجارية داخل المحطات الكبرى، 17 مليار درهم "4.6 مليار دولار"، وهو مورد لم يكلف الحكومة فلسًا.
ونجاح تجربة دبي في مشروع حقوق تسمية محطات المترو، أسهم في انتشارها عالميًا، وبدأت هيئات ومؤسسات النقل العام في عدد من المدن العالمية تطبيق مشروعات مماثلة في أنظمة النقل التابعة لها، منها مدن لندن وبرشلونة وتورونتو ودلهي، إضافة إلى عدد من المدن بالولايات المتحدة، كشيكاغو وهيوستن، ودينفر ودالاس.
أعتقد أن التجربة مهمة للدراسة لتطبيقها في مجموعة منتقاة من محطات مترو القاهرة، ويمكن أن نستبعد المحطات التي تحمل أسماءً وطنية، حتى لا يقول البعض إن الفكرة انتهازية، كما يمكن وضع الشروط والضوابط التي تعالج أي شكوك لدى البعض، في الوقت الذي من المهم تعزيز موارد الإعلانات، واستغلال تذكرة المترو نفسها كوسيلة للإعلان... ويبقى السؤال.. هل من الممكن أن نرى أفكارًا ابتكارية في التمويل؟