تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
وعندما عاد محمد عبده من منفاه إلى مصر ، ووجد طريقة إلى صالون الأميره نازلي حيث مدرسة الاعتدال في السياسة المصرية تلك المدرسة التي تصورت أن هزيمة الثورة العرابية هى مجرد درس مرير لعاقبة تجاوز حدود الاعتدال. وفى صالون نازلي كان تكريس الاعتدال كأساس يفرض نفسه على كل من يحاول العمل الوطني. وهكذا قرر محمد عبده التعايش مع الاحتلال البريطانى كأمر واقع . وتمتلئ كتابات محمد عبده بما يؤكد أن مشكلة مصر وكل العالم الإسلامي لا تكمن فقط فى تلك الهيمنة الغربية. الاستعمارية على مصر وغيرها من البلدان وإنما في عدم القدرة على مجاراة التقدم العلمي والفكرى الذى أحرزه الغرب المسيحى .[Nadav Safran – lbid – p.63] وهكذا أقتنع محمد عبده أو بالدقة أقنع نفسه بضرورة التعايش مع الاحتلال البريطاني، باعتباره كابوساً لا يمكن الخلاص منه ولا جدوى من معاندته. ومن ثم صار يتحدث عن نوع لا يمكن تصوره للاستعمار وهو الاحتلال الذي يمثل نزاهة وبعداً أخلاقياً، فكرومر ورجال الاحتلال يسعون عبر دوافع إنسانية وأخلاقية ومصالح اقتصادية للأخذ بيد المصريين نحو التقدم والانطلاق [محمد عبده – الأعمال الكامل – مقال الحق المر – الجزء الأول – صـ783] وعبر هذا القبول المرير ولكن الضروري بوجود الاحتلال بدأ محمد عبده مشروعه الاستراتيجى لتطوير التعليم فى الأزهر وغيره من المدارس مبرراً القول بالاحتلال باعتباره الممكن الوحيد لتقديم الأمة والنهوض بها . [رشيد رضا – تاريخ الأستاذ الإمام – صـ427] والحقيقة أن الموجه الجديدة التي قادها الأفغاني وعبده كانت تحاول أن تقدم نفسها على أنها محاولة من المسلمين لمواجهة الضغط الغربي الاستعماري. ذلك التغول الاستعمارى الغربي إلى كشف الغطاء عن الهوان والضعف والتخلف الذي يعيشه المسلمون ومن ثم يتعين التوحد والسعي نحو المعرفة والعلم الذي يقود المسلمين نحو مواجهة الاستعمار ، دون أن يتجه تفكيرهما الى مواجهة الأيديولوجية المتأسلمة التي خلقت فكراً أو بالدقة فهماً للإسلام ينتاقض مع جوهره الأصيل ، وهو فهم يقوم على أساس الخرافة واللا عقل ، ويستند إلى تهويمات سلفية تختار من كتب التراث الأكثر تطرفاً والأشد بعداً عن العقل والمنطق، وهكذا يمكن القول أن هذا الثنائي الأفغاني وعبده كان يرى أن الحل هو وحدة المسلمين ضد التسلط الاستعماري الغربي، دون أن يتحدثا عن التجديد فى فهم الدين ورفض الجهالة والظلامية وسوء التعامل مع كتب التراث [عبد الله العروي – مفهوم العقل – صـ23] والحقيقة أن ثمة اختلاف تبدي ظاهراً بين موقف الأفغاني وتلميذه محمد عبده. اتفق الاثنان على ضرورة إعلاء سلطة العقل وتأويل النص في حال مخالفته للعقل. لكن الأفغاني كان يقف عاجزاً أمام النص والاجتهاد عنده يجب ألا يتجاوز حدود "الاهتداء بالقرآن والحديث الصحيح. ولهذا كان الأفغاني إذ يتحدث عن المجتهد فإنه يصفه بذلك الذي يهتدي بالقرآن والحديث الموثوق به. ومن هنا فإنه قرر أن المجتهد هو ذلك العارف بسيره السلف وبالإجماع" [خاطرات جمال الدين] ويهتدي بالقرآن والحديث الصحيح مع مراعاة حاجات الزمان. وإذا كان محمد عبده قد تجاوز أستاذه الأفغاني من حيث ضرورة الاعتماد على العقل فإنه قد حرص على التحذير من "الغلو" في استخدام العقل والشطط في التأويل، مؤكداً أن العقل وحده لا يمكنه فهم الإلوهية فهماً صحيحاً . وأن هناك أموراً كونية وقيماً عامة يعتمدها الوحي والشرع ولا مجال لأن يدركها العقل [محمد عبده - رسالة التوحيد – صـ412] . وكان محمد عبده أكثر إرتماءً باتجاه قبول الأمر الواقع "فما دامت مصر غير قادرة على طرد الاحتلال البريطانى فلتحاول السعى للاستفادة من وجودهم" [Resental – islam in the modern National state – p.49] .
وهكذا تحول محمد عبده كما قال كرومر [المعتمد البريطاني في مصر] من معارض للهيمنة الغربية إلى حليف موضوعي للاحتلال [Cromer Modern Egypt – p180] وربما كان كرومر يحلم بتطويع الإسلام والمسلمين بحيث لا يكونوا أعداءً للوجود البريطاني. ولعل هذا هو السبب في دعم كرومر لمحمد عبده تعيينه مفتياً للديار المصرية.