الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

التفاحة الشهية وأيقونة الجنة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حواء، شمس الحياة، قلبها يسع الكون، داخلها طفلة مشاكسة لا تكبر، تتمنى حبًا ورديًا ينبش في جدار عمرها، محدثًا فجوة تسمح لبصيص نورٍ أن ينفذ، وينفذ معه فارس أحلامها المنتظر، من ترتسم ملامحها على ملامحه منذ الخليقة، وتنبت من ضلعه بجوار قلبه، كى تزهر في حديقته مثل زهرته الوحيدة، فيمتد بصرها برحابة السماوات السبع لتلقى بأمنياتها إلى السحاب، لعلّ غيمة حنونة تحملها إلى قلبه، تعانق شمسه التى تدفئ حنينها، فتتوحد معه ومع نفسها، وتشهد الخالق والخلق أنها له وحده دون سواه.
آدم، التفاحة الشهية، حياته في البداية نهر محدود، ثم تتهافت عليه غيمات من سُحُبٍ شتى وتملأه بأمطار الدلال والإعجاب والاهتمام، فيتحول إلى بحرٍ عميق لا يرتوى ولا يشبع، أمواجه هائجة لا تستكين، تروق له عيشة البراح بكل نسماتها وأعاصيرها، حتى يأذن له القدر وتسطع في حياته شمس الحياة، حبه الحقيقي، حواءه الأزلية، فيصارع ذاته وتتنازعه الرغبات، ويسأل نفسه سؤالا أبديا، أيظل بحرا حرًا تنهال عليه السحب من كل صوب؟ أم يعود نهرًا محدودًا لا يرتوى سوى من قناة واحدة؟ أيظل حرًا أم أسيرًا؟ ملكا في مملكة الضياع أم أميرًا متوّجًا في أسطورةْ بقاءٍ ﻻ تنتهى؟
فإن اتسمت أُنثاه الساطعة بدهاء حواء وتمكنت بحنانها أن تهدّئ من روعه، وتُشبِع حنينه وتسد ثغرات روحه، وتكشف له بذكائها كيف سيكون مصيره بدونها، وكيف سيفقد تلك الطاقة الهائلة من حنانها إن لم يكن معها، عندها فقط قد يسمح لها أن تصنع لنفسها مملكة منفردة بين السحابات الأخرى، بل ويكتفى بها عن كل الغيمات، ويجبرها أن تنقشع، وتتفرّد هى كشمس واحدة لذلك الكون، تناجى قمرها الذى تتهافت عليه النجوم وأصبح لها وحدها ليسقط أمطاره على أرضها هى دون غيرها، ويزهر حديقتها بثمار ليست لسواها.
حينئذ يعشق آدم أيقونة الجنة ويفضل أن يعيش بجوارها، وتتبخر رغباته الأخرى، إذ يتحول من بحر ملئ بالسفن إلى نهر لا يحتمل سوى سفينة واحدة، مقيدًا بحبال قلبها برغبته، أسيرًا لهوى عشقها برضاه، لكنه في النهاية سيقضى عمره متسائلًا.
ترى أى أيام حياته كان فيها أسعد حالا ؟ عندما كان نهرا أم بحرًا؟