الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

العائشون فى الماضى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نحن أمة تعشق الماضى وتعيش فيه ولا تغادره، ومعظم المسلمين والمتأسلمين لا ينظرون للمستقبل أو يبحثون عنه، فالمتأمل للصراعات والحروب التى تحيطنا من كل اتجاه سيكتشف أنها تقوم على خلافات تاريخية قديمة الأزل، فى حين أن أوروبا والدول المتقدمة يعيشون صراعا على الحاضر والمستقبل، فهم يقاتلون من أجل الغد ومن أجل الاستحواذ على الثروة وعلى عقول العلماء.
وفى الوقت الذى ينقلون فيه ميادين معاركهم إلى الفضاء مازلنا نحن نتعارك على من الأحق بالخلافة وزواج المتعة والمسيار وإرضاع الكبير وأيهما أصح البخارى أم الكافى، وواقع الأمر أن أسباب الخلاف بين الفرق والمذاهب الإسلامية المتقاتلة إلى الآن ترجع إلى مسائل تاريخية سياسية تحولت مع الأيام إلى عقائدية، فنحن على مدى الزمان نتوقف أمام ماض سحيق، فيأتى من ينتصر لهذا ويأتى من ينتصر لذاك، ويأتى من يقدس شخصًا ويرفع منزلته ويلصق به بعض التعاليم التى تتوارثها الأجيال المختلفة، بما فى هذه التعاليم من كراهية للطوائف الأخرى، وكلما مر الزمان بحثنا عن شىء جديد يزيد الفرقة، فهذا ناصرى وهذا ساداتى وهذا يريد إرجاع الملكية وهذا يريد للأتراك أن يعودوا باسم الخلافة، والحقيقة أن الخلاف فى أمه الإسلام قد بدأ عقب مقتل الخليفة عثمان بن عفان رضى الله عنه وامتد حتى يومنا هذا، وأما الخلافات العقائدية فلم تظهر على عهد النبى صلى الله عليه وسلم وإنما جاءت كامتداد وتطور للصراع بين الأشخاص، فلم يكن هناك من يسمى شيعيًا – بالمعنى الإصطلاحى – فى عهد النبوة حتى وقعت الأحداث المؤسفة بين الإمام على كرم الله وجهه وبين معاوية والتى انتهت باستشهاد الإمام على، وهكذا نستطيع القول بأن الإسلام قد انقسم إلى حزبين كبيرين عقب مقتل عثمان، الأول هو حزب على والثانى هو حزب معاوية، ووقتها كان يقال على أتباع كل واحد منهما (شيعته) ولم يكن فى الأمر أى خلاف عقائدى ولكن جاء عبد الله بن سبأ مستغلا حب الناس لعلى فغالى فى هذا الحب وإتخذه ستارًا يخفى وراءه حقده على الإسلام فجمع طائفة من المحبين لعلى وبدأ يؤصل لفكرة الوصاية والمرجعية وبأن الله تعالى قد أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أن ينصب عليًا إمامًا من بعده، ولكن النبى خاف أن يتهمه الناس بأنه قد خص إبن عمه فصمت عن ذلك، وهذا بالطبع غير حقيقى وافتراء على رسول الله وهو الصادق الأمين، ولعل السبئية نسبة إلى عبد الله بن سبأ هى أول فرقة شيعية بالمعنى العقدى ثم توالت ظهور الفرق الشيعية بعد ذلك، فمهنم من غالى فى حب الأئمة ومنهم من اعتدل، وعلى مدى التاريخ كانت تخرج من رحم الفرقة الواحدة عدة فرق، فالزيدية مثلا وهى المنتشرة حاليًا فى شمال اليمن قد سميت بهذا الاسم نسبة إلى الإمام زيد بن على بن الحسين، شقيق الأمام محمد الباقر، وكان زيد قد خرج داعيًا لنفسه فبايعه بعض أهل الكوفة ممن خذلوا جده الحسين فى كربلاء، إلا أن زيد أصر على مواصلة القتال وخرج بجيشه إلى والى العراق يوسف الثقفى وقبل أن تدور رحى المعركة سألته شيعته من أهل الكوفة عن رأيه فى أبى بكر وعمر، فقال خيرا ففارقوه لإعتقادهم بأن الشيخين قد نصبا العداء فى الماضى للإمام على وهذا غير صحيح، وعندما ترك أهل الكوفة زيد وحده أخذ يردد:رفضتمونى، فعرف هؤلاء بالرافضة، ولم يبق مع زيد إلا القليل من الجند فقتلوا جميعًا، وقتل زيد معهم وصلب ثم أحرق، فحزن عليه البعض وتشيعوا له بعد قتله وتوارثوا الفكرة لتبقى هذه الطائفة حتى يومنا هذا، تماما مثلما بقيت عدة طوائف أخرى هى المتحاربة الآن والمتصارعة على السيادة والقيادة فى المنطقة، فمنذ ألف وأربعمائة عام ونحن فى حروب مستمرة، متوارثة، مات فيها ملايين البشر وأحرقت الدور والأشجار والكتب، وامتلأت كتب التاريخ بالكثير من الأكاذيب وتناسى الجميع ان أصل الصراع والعراك كان لخلافات بين بشر أرادوا الاستحواذ على السلطة، ثم تحول الأمر بعد ذلك إلى صراع بين دول وطوائف تتقاتل داخل هذه الدول لفرض سيطرتها، وأصبحنا نعيش فى غابة من الأفكار الدموية، وكلها وليدة خلاف فى الماضى، ولنا أن نتخيل حال عالمنا الاسلامى لو لم يكن قد سقط فى هوة هذا الصراع التاريخى وبات يتقاتل من أجل حاضره ومستقبله، ولكن للأسف، هناك أقوام بذلوا الغالى والثمين من أجل الوصول إلى الفضاء، وهناك أقوام بذلوا الغالى والثمين من أجل الوصول إلى الفناء.