لا شك أن الوطن العربى بلاد ودول يعيش فى ظروف قاسية سماتها التفتت والتشرذم الدينى والطائفى والعرقى والقبلى، وهذا لا يصب فى صالح العرب بشكل عام، ولذا فقد تم استغلال هذا الوضع أفضل استغلال من جانب أمريكا بتفعيل مصالحها الاستراتيجية فى المنطقة، وبداية المجابهة لهذا الاستغلال تبدأ من خلال الشخصية الوطنية فلا يوجد شعب بلا شخصية تعززها الهوية وتدعمها الثقافة وتفتح لها السياسة باب المشاركة السياسية، أما عندما تتوارى الهوية تتخبط الأقدام فى طريق بلا دليل، وعندما تغيب الثقافة يتجمد الفكر ويخمل العقل فتحل الخرافة والأسطورة بديلًا للعقل فيكون النقل بديلًا للعقل فيسهل السيطرة على العقول بمقولات وشعارات ما أنزل الله بها من سلطان، هنا يحدث تسطيحا للوعى يجعل السياسة والمشاركة السياسية شكلًا بلا مضمون وبلا تطبيق على أرض الواقع، فتتباعد العلاقة بين الجماهير والقرار السياسى، ولذا بداية الحل هو كيف نبنى الشخصية الوطنية؟ الجميع يتحدث عن الجماهير والمواطنين وتكوين الشخصية ولكن على أرض الواقع لا نرى حرثا بل لا تزال الأرض بوار فى بوار، فالبداية الصحيحة هى وضع برامج علمية وموضوعية تتوافق مع الواقع المعاش بهدف نقل هذا الواقع إلى الأحسن، وهذا يعتمد على الإعلام والتعليم ودور المؤسسات الدينية والاجتماعية والحزبية. وهنا قد بدأنا بالإعلام لأهميته القصوى فى تشكيل الوعى والتأثير على الرأى العام، ولكن واه من ولكن هذه، هل يوجد إعلام غير منحاز لدولته أو لملاكه؟ بالتأكيد لا. فمن يملك يحكم. فإذا كانت مصلحة الإعلام لا تتوافق مع مصلحة الوطن والمواطن هنا يصبح الإعلام معوقا خطيرا فى طريق المسيرة الوطنية وأداة هدم لتأصيل الهوية وغياب الوعى وتسطيحه، هنا وبدون أى متاعب نقول سلامًا على السياسة والسياسيين، ولذا نشاهد الإعلام يتناقض فى القضية الواحدة ليس فى حدود الوطن العربى بل داخل الوطن الواحد، كل حسب رؤيته للقضية ومصلحته السياسية وانحيازه لأحد أطرافها.
أما التعليم فلا علاقة له الآن بالشخصية الوطنية، فالتعليم الوطنى الموحد هو الأداة والبوتقة التى تنصهر فيها الشخصية حتى تكتسب صلابتها وهويتها الوطنية، الآن أصبح التسابق على التعددية التعليمية الأجنبية التى فتحت باب الهوية والثقافة على مصراعيها لكل من هب ودب من أنواع التعليم الأجنبى الذى لم يأت إلينا لسواد عيوننا بقدر ما جاء لتحقيق مصالحه عن طريق تفعيل الاستعمار الثقافى والهوياتى، ولذا نرى الآن التسارع والتباهى والانجرار وراء المأكولات والملابس بل العادات والتقاليد الأجنبية كنوع من التعالى على الثقافة والتقاليد والهوية الوطنية والعربية، هنا وعندما تسقط الهوية وتنهزم العادات والتقاليد الأصيلة يكون البديل اللاهوية واللاثقافة فينتهى دور القوى الناعمة ليحل مكانه قوى ناعمة أخرى.
أما المؤسسات الأهلية فقد ضاع دورها التعليمى والتثقيفى فى مقابل ارتباطها بالمنظمات الدولية وتمويلاتها. وهل أصبحت بعض الأحزاب أحزابًا عائلية مصلحية حولت السياسة والعمل والرؤية السياسية إلى أعمال حرة فهى لا برامج ولا نظرية ولا كوادر بل مصالح تقضى، والغريب أنهم يتحدثون عن الوطن والوطنية. إذن تكوين الشخصية الوطنية على أرضية الوعى والتمسك بالهوية والثقافة الوطنية وبتصحيح الخطاب الدينى الذى يقبل الآخر بالرغم من الاختلاف، وهنا لا بد من دور الطليعة الوطنية التى تعلى شئون الوطن وتتبنى قضايا الجماهير على أن يكون دورا فاعلا عمليا لا نظريًا نضاليا لا شعاريًا. الوطن فى ظل تحديات خطيرة لا بد من التوحد والتماسك والخلاف فى إطار الوحدة حتى نستطيع أن نواجه كل المخططات. حمى الله الوطن الغالى والشعب العظيم.