عشر سنوات مرت على مشاهدتى الممارسة الديمقراطية الأمريكية، على أرضها، كانت الانتخابات النصفية على مستوى الولايات، ومن الصعب إنكار أن عملية الانتخابات مسألة تقنية معقدة، كانت الانتخابات الشغل الشاغل للمؤسسات التعليمية الإعلامية التى زرناها كصحفيين عالميين ضمن برنامج إدوارد مورو للصحفيين «بدأ البرنامج عام 1949»، فقد تم تقسيم الحضور المشارك الذى قارب 150 صحفيا من مختلف قارات العالم، حسب اللغة والجغرافيا على عدة ولايات أمريكية تخوض الانتخابات النصفية لمتابعتها عن قرب، حتى بدا لنا الأمر كأننا مُنتخبون أو مُنتخِبين!.
فمن ناحية كان على الطلبة أن يتابعوا صعود أصوات «أرقام» المرشحين وهبوطها فى أطار جولات التنافس: على النت أو على القنوات التلفزيونية أو بالحضور الشخصى إلى المراكز،العمل الميدانى، فقد أعلمونا فى جامعتى نيوهاوس، وسيراكيوس التى كنا نتدرب فيهما على الصحافة والعلاقات الدولية، بأن على 150 طالبا ملاحقة الانتخابات ونتائجها، تسمى اصطلاحا مادة القصة «أوالسيناريو»، والتى أظهرت تفوق الجمهوريين على الديمقراطيين فى الساعات الأولى، ومن ناحية أخرى اعتمد أغلب الأساتذة الذين تكفلوا بإدخالنا كتلاميذ ضمن جدول يومهم الدراسى التدريبى، على الإسهاب والتفصيل فى تبيان طريقة الانتخابات، وكيف تبدأ ومتى، والحقوق الخاصة بالتعديل الأول للدستور، والتشريعات المنصوصة من الكونجرس، والخارجية، والقضاء أيضا، وفرشت أمامنا خريطة أمريكا بالكامل وتوزيع الولايات والمقاطعات التى عليها أن تجرى انتخاباتها الرسمية الثلاث «مجلس الشيوخ، ومجلس النواب، ورؤساء الشرطة» ومواقع مكاتب الاقتراع، ومن ناحية أخرى دُعينا للوقوف عن كثب على الآلية الإلكترونية التى تبدأ من الصباح وحتى التاسعة ليلا موعد الرصد النهائى للأصوات، وعلى من يرسو الاختيار أوالانتخاب، خصصت غرفة بالفندق للمشاهدة، وكذا تمت الدعوة لحضور الاحتفال بفوز منتخب المقاطعة.
كان انحيازى إلى الحضور الميدانى لتلك الممارسة الديمقراطية وكانت عينى، كما الكاميرا التى وثقت بها، ترقب كل الاليات المُتبعة، وعمليا شاركت فيها خطوة خطوة، وطرحت أسئلتى حول مُراقبتها ومصداقيتها «وفى ذهنى ما حصل من تزوير أثناء انتخاب بوش الابن» وإلى مدى ثقة الجمهور فى نجاح مُنتخبه وفوزه دون تدخلات من تحت الطاولة، ما حدثونا عنها، أموال رجال الأعمال والأثرياء، وعن مدى استجابة الجمهور الأمريكى للوائح والقوانين التى تركز على آلية الانتخاب، وقد سرد لى ولزملائى المفوض «دين» فى ولاية سيراكيوس «وسط نيويورك» عن تراجع بعض جمهور ولاية ما، عن انتخاب مرشح لم يشارك فى التصويت سابقا لأى مُنتخب لسنوات خلت، ولم يحمل بطاقة أيضا وهذه السنة قدم نفسه كمرشح!، وأخبرنا أيضا أنهم يذللون كل الصعاب التى قد تصادف أى منتخب، فالمعاقون والعجزة يتم التطوع بالذهاب إلى عناوينهم وملء الاستمارة بمعيتهم، وإذا صادف أحدهم ظرف وغادر ولايته بإمكانه أن يبعث ببطاقته الانتخابية عبر البريد التقليدى، وليس البريد الإلكترونى (الإيميل غير معترف به).
لا أخفيكم سرا، وأنا أخط بعض يوميات رحلتى لأمريكا، عنت ببالى السيدة الرائدة الليبية خديجة عبدالقادر، صاحبة السلسلة الصحفية بجريدة طرابلس الغرب، ليبية فى بلاد الانجليز 1962- 1963، وهى من أسهبت فى وصف زيارتها للندن وماجاورها من مدن فى منحة المركز الثقافى البريطانى، أحسنت الوصف واهتمت بتفاصيل المكان، ربما فى عام 1962 كانت لندن مجهولة للكثيرين، فاهتمت بتقديم مشاهدات أوصورة سياحية لأهل بلدها وكأنهم معها، ولعلى أرى رأيها فى زمنها، أما ما يتعلق برحلتى فهكذا استمتاع أتيح لى معرفته عبر وسائل الإعلام والتقنية، بمجرد إعلامى بأنى مُرشحة للمشاركة كصحفية ليبية فى هذه الدورة 2010، بحثت عن ولايات أمريكا، مشاهد وصور وأشرطة مصورة «يوتيوب»، ومعلومات من أصدقاء مسافرين وعائدين، قرأت عن سياساتها وهيكلها التنظيمى، ولأمريكا فى ذهنى أيضا صُور مُسبقة، أكثرها تدخلات تعسفية ظالمة فى شئون الدول، وحروب لم تتوقف، ونهب لثراوت الشعوب، وسعى لا حدود له لتكون قطب العالم الأقوى بلا منازع وبأى ثمن، كم من ضحايا بشر وطبيعة، لأمريكا المُتحضرة وسياساتها العنيفة فى كل يوم بل فى كل ساعة، أمريكا التى يصورونها لنا آمنة مستقرة بداخلها هى أمريكا التى تُصدّر وتعلن العنف والإرهاب خارجها!.