هناك من الأشخاص من تراهم لأول مرة فتشعر أنهم من دمك قريبون كابن خالتك وابنة عمتك وابنة خالك، هناك من الأشخاص من تصادفك الحياة بهم في أماكن لا تتوقعها كأن تلتقيهم عرضا، في التأمين الصحى وأنتما تنتظران دوركما في الدخول إلى الطبيب ليصدق على منحك إجازة مرضية يشهد فيها أنك لست متمارضًا، أو في محطة القطار على الرصيف وأنت تنتظر القطار وسط جلبة البائعين وهرولة المسافرين، أو في صالة المطار وأنت مستعد للسفر، وحيدا ـ والقلق يتناثر من حولك، وعيونك تحدق في لوحة الرحلات لأن صدى الصوت بالصالات لا يمكنك من التأكد من الوجهة الصحيحة أو رقم الرحلة.
يحدث أن تلتقي العيون بابتسامة أو يبادرك الآخر بالسلام أو بالسؤال عن الوقت أو الوجهة أو يعرض عليك الذهاب معا لتناول قهوة حتى موعد الرحلة. ثم تتبادلان أرقام الهواتف وربما تتزاوران بعدها وتصير علاقة عائلية مبهجة لطيفة رزقك الله بها دونما تخطيط. أعتقد أن الأمر صار أسهل بعد انتشار مواقع التواصل الاجتماعي. من الصدف السعيدة في حياتي تعرفي على ثلاث صديقات عبر فيسبوك. الأولى هي جيرمين التي تصغرني بسنوات كثيرة.
كانت في بداية حملها الذي انتظرته طويلا وأوقدت شمعات كثيرة ليمنحها الله هي وزوجهاهذه النعمة. من أول مرة تحدثت معي لمحت النقاء والصدق. ويوما بعد يوم شعرت أنها من أسرتي وصرت أسأل عنها وعن حملها وأكلها وراحتها حتى أتم الله نعمته عليها بفتى جميل أكتشفت أنني أخاف عليه من العيون حينما تنشر صوره على صفحتها وأنبهها.
هذه جيرمين التي ليست من عائلتي وعرفتها وجها من وجوه فيسبوك وجه لا يعمل في مجال الكتابة أو النشر أو المؤتمرات لكن صداقتنا جعلتها تحضر هي وزوجها حفل توقيع كتابي في دار النشر وجعلتني أترك هدية لأبنها الجميل على باب الكنيسة لأن الوقت لا يسعفني بالبقاء إلى المساء هذه الصداقة جعلتنا نتواصل أكثر في محنة عام 2013 وما قبله. بكينا معا الدماء والقتل والتفجيرات ودعونا وتمنينا الخير لمصر بنفس الدرجة.
الوجة الثاني الذي عرفته ورويدارويدا اتسقت علاقتنا الضاحكة هو وجه الدكتورة نادية وصفي. ابنة المنصورة المقيمة بكندا والمتزوجة من طبيب قلب يمت بصلة نسب لأقاربنا وتلك من المعجزات أن تتعرف أحدا في كندا بمحض صدفة عابرة لتكتشف صلة ما بعيدة. وبعدها تتعرف زوجته التي تقربك في العمر وعبر منشورات تتعرف شخصيتها الجذابة وأصلها وتواضعها وروحها المشعة، التي تطلقها كغزال صغير يلهو في غابة طيبة لا أسود بها غابة تشبه غابة الأميرة والأقزام السبعة تكتشف وجها مصريا جميلا وروحا مثابرة وزوجة وأما رائعة تفخر بها فلا هي تتخلى عن مصريتها في سبيل بلد الهجرة ووطنها الثاني ولا هي تنحاز لوطنها الثاني حينما يئن وطنها الأول وما أكثر ما أن الوطن في أوقات عصيبة في معركة الخلاص من الأخوان لكنه بقلوب المخلصين ينجو.
الصديقة الثالثة هي الشاعرة منى العاصي الفلسطينية المقيمة بسويسرا ولديها ابنة صغيرة اسمها نايا كانت كل القصص عبر الحكي تاخذنا من الصغيرة التي تعاني الاضطهاد للون بشرتها الاسمر ووحدة الطفلة بعيدا عن ابيها إلى القصائد التي تمجد فلسطين وتكتب وجع الشتات إلى السفر إلى إنسانيتنا ومعاناة المرأة الكاتبة وغيرها كالملابس والطعام ومواعيد المدرسة.
كيف لا نعتبر هذه العلاقات الثلاث امتدادا لعائلتك وكيف نتجاهلها وهي بمثابة طاقات من النور والسعادة والمشاركة في حياتتنا. الحياة أكثر غنى من الأغنياء وأكثر فقرا من البخلاء وما بينهما تتراوح أقدارنا. فإذا وهبتنا الحياة سعادة بالصدفة فلنلتقطها بكل امتنان. لأنها هبة من يد الرحمن تقول أنكم تستحقون الفرح. وهذه الوجوه، وردة تلقى في طريقكم لتسعد أيامكم. شكرا صديقات الصدفة الافتراضية على وجودكن في الحياة تضفن لونا مبهجا لأيامنا وتصنعن فرقا لا شك.