رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

محاورات وجدي.. نقود وردود

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لقد تحدثنا في المقالات السابقة عن سمات وخصائص ومقاصد التجديد في مشروع محمد فريد وجدي ذلك الذي اتخذ من فلسفة الحوار آلية لتقويم المفاهيم وتصحيح الأغاليط وكشف الأكاذيب التي كانت تتعمد تضليل الأذهان والتشكيك في المعتقدات وإدعاء الأباطيل التي تعمل علي تضليل العقل الجمعي وتشويه الإسلام والحط من حضارة المسلمين وتسفيه دورهم في تقدم الثقافه الإنسانيه وتحديث العلوم والتخطيط العمراني للمدنيه وتحديد المبادئ والقيم الأخلاقيه والروحيه التي تمكن البشريه من العيش في عالم تحكمه العداله والحب والتسامح والسلام الأمر الذي لا تجحده إلا الأقلام الجائره والنفوس الحاقده والعقول الجاهله بحقيقة الرساله المحمديه .
وقد انتهج وجدي كما ذكرنا إسلوب ومنهج التثاقف والتناظر والتساجل والجدل العقلي للرد علي غُلاة المستشرقين من جهة والمفكرين الجانحين المتاثرين بالفلسفات الغربيه من جهه اخري تلك التي روج لها الباحثون العرب المسلمون , وسوف نتحدث في المقالات التاليه عن بعض النماذج من محاورات وجدي بإثبات انه كان فريد عصره ورائد من رواد زمانه في تجديد فلسفة الحوار وتأصيل منهجها وادابها وتطبيق اخلاقيتها ذلك علي الرغم من انضوائه تحت لواء الاتجاه المحافظ وإعتلاء منبر الأزهريين والتحدث بلسانهم آنذاك .
فها هو يقوم بالرد على المستشرق الأمريكي فرانك هـ .فوستر الذي نشر في مجلة العالم الأسلامي الأمريكيه ما يشكك في مصداقية النبي الخاتم " صلي الله عليه وسلم " وصدق رسالته , وجاءت مقالة محمد فريد وجدي في مجلة الأزهر في المجلد السابع بتاريخ 1355هـ ( 1936م ) رداً علي نقوده ومزاعمه باسلوب علمي متبعاً قواعد منهج التساجل الذي يلتزم بالموضوعيه والأمانه العلميه في نقل إدعاء المساجل المخالف ثم يقوم بتفنيد ونقد الإدعاءات والبرهنه علي فساد الأسانيد التي يعتمد عليها الخصم وذلك بعد التأكد من صدق وصحة مصدره والإلتزام بحرفية أقواله وتوثيقها .
فبين وجدي ان مستر فرانك هـ . فوستر قد صرح في مقدمة مقاله انه لم يعتمد علي كتب السيره لإثبات نبوة محمد " صلي الله عليه وسلم " وذلك لانه يشك فيها مجتمعه وان مصدره فيما يدعي هو القرءان فقط وذلك لانه لم يصيبه ما أصاب كتب السيره والأحاديث من عبث المؤرخين عبر العصور .
فجاء علي لسان كاتب المقال (إن الكتابه الوحيده التي وصلتنا عن محمد في تاريخ حياته هي ما جُمع منها في القرءان, وهي وإن كانت غير مستوعبه لجميع ما تجب معرفته عنه فقد جمعت الكثير من حوادثه . والقرءان هو المصدر الوحيد الذي يصح الإعتماد عليه فيما نحن بصدده . اما التواريخ العديده التي كُتبت بعده بقرون كثيره باقلام كُتاب متحيزين فليست لها قيمه في نظرنا) .
فإدعى الكاتب بعد ذلك ان القرءان قد أشار ان محمد قد زعم بان الوحي ياتيه من السماء فكذبه قومه لعدم قناعتهم بشخصيته التي لا تمتاز عن غيرها بشيء يرفعها الي درجة ما يدعيه , اما خبر ذلك النبي فلم يذكر عنه القرءان شيء من حيث نسبه وولادته وصباه , اما لقبه بانه نبي اُمي فيخضع للشك وذلك لانه كان من الواجب عليه قراءة ومراجعة ما يلقي الي قومه من تعاليم واخبار وعقائد ومبادئ ورغم ذلك لا يمكن إدراجه ضمن اُدباء وعلماء عصره لان أسلوب القرءان يختلف عن اساليبهم , اما حسبه ونسبه وعمله في التجارة واسفاره وإتصاله باليهود والنصاري فهناك إشارات تُنبئ عنها .
اما وجدي فبداء بنقد الحُجه الرئيسيه التي بنى عليها خصمه إدعاءه وإستنتاجاته الا وهي (كذب النبي) وإتهامه بلا دليل بإنه قد إدعي النبوه .
ويقول وجدي في ذلك لا يدهشنا ان يكون في الناس من لا يزال يكذب برسالة النبي " صلي الله عليه وسلم " ولكن يدهشنا ان نقراء عن رجال ينزلون انفسهم منازل الهداه والمرشدين انهم يعتدون علي ابسط قواعد الدستور العلمي في بحوث فلسفيه علي اعظم جانب من الخطوره . ذلك ان المستر فرانك يخوض في نفسية اعظم رجل في التاريخ بشهادة الأجانب انفسهم معتمداً علي اصل إعتقادي موروث لا يُصلح ان يكون اساساً لبحث فلسفي خطير كالذي هو بصدده ,
وحري بنا ملاحظة تلك الأناة والتسامح والعقلانيه في هذا الرد من جهه ومدى إلتزام وجدي بقواعد التساجل في العرض والنقد والجدل , فلم نجد أي إشاره بالحمق من قبله او إتهام الخصم بالكفر او التهديد والوعيد والإنتقام او الحط من قيمة المُناظر او الإستخفاف برأيه , وغير ذلك من الافات والمعايب التي مازلنا نقرأها ونسمعها في المساجلات منذ أوائل الثمانينات من القرن الماضي وخليقاً بنا إدراك مدي رُقي إسلوب وجدي في التخاطب وإقراره بحرية الأخرين في الإختلاف والشك في المعارف حتي في الكتب المقدسه بشرط تقديم الدليل العلمي فحسب .
ويتراءى لي إنه كان لزاماً علي محمد فريد وجدي تفعيل نهج ما نطلق عليه اليوم (بنقد النقد) ويتمثل ذلك في نقد حجة الخصم التي يسلم بصحتها وبنى عليها إدعائه الا وهي زعمه بان القرءان وحده هو المصدر الذي يثق فيه فإننا نرد عليه إذا كان الأمر كذلك فيجب ان نسلم بان القرءان قد اتى علي يد النبي الخاتم ومن ثم فإتهامه بالكذب يتناقض مع الثقه في ما جاء به من اتهمناه بالكذب ومن ثم نضع المدعي بين كفي الرحى إما ان نثبت بان حديثه لا يخلو من الإضطراب الداخلي والتناقض الظاهري او يجب عليه ان يسلم بكذب كل ما ادعاه والإقرار بصدق النبي ويعد حديثه بذلك إشكالية تحتاج الي مراجعه لتقويم مضمونها .
ويضيف وجدي ان خصمه قد توقف عند واقعة ان قوم النبي قد كذبوه ولم يبرر تكاثر المؤمنين به بعد ذلك رغم إجماع شيوخ عصر الرسول بانه كان لا يهذي ولا يكذب. وإن خصمه لم يتطرق ايضاً الى حُجية انكار اُمية النبي وقدر تأثره بكتب اليهود والنصاري التي ادعي بان النبي قد اطلع عليها ويقول وجدي في ذلك (هذا طراز طريف في بحث النبوات ولكنها طرافه لا يُغبط عليها المستر فرانك بان القرءان قدم الي الناس بإعتبار إنه كتاب جامع لتعاليم الإسلام لا بإعتبار انه كتاب تاريخ لحياة محمد حتي يسوغ للمستر فرانك ان يحصي عليه اغفالات ليست من موضوعه وإذا كان القرءان لم يذكر تفصيل حياة محمد "صلي الله عليه وسلم" فهل ذكر موسى "عليه السلام" تفصيل تاريخه في توراته غير ما كتبه خلفاؤه بعد وفاته؟ وهل ذكر عيسى "عليه السلام " مثل ذلك في كل ما قاله لبني إسرائيل من تعاليمه؟ وهل يستطيع المستر فرانك ان ياتينا بكتاب ديني واحد يذكر حياة الرسول الذي جاء به بتفصيل يوفي بشروطه؟ وإذا كان هذا لا وجود له فكيف يطالب به القرءان الكريم ويسجل عليه خلوه منه؟)
وللحديث بقيه