الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المغتربون الفلسطينيون والمأزق

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
انتابتني حالة من القلق الشديد على إخواننا الفلسطينيين الذين يعيشون في الدول العربية عامة، والخليجية بصفة خاصة في الفترة الأخيرة، في أعقاب الإعلان عن اتفاقية السلام بين الإمارات وإسرائيل، وبعيدًا عن المواقف السياسية من أي تقارب عربي إسرائيلي، والذي يمثل سياسة خاصة لكل دولة، فإنه من المهم أن ننظر لحال أبناء الشعب الفلسطيني المغتربين.
رد الفعل العشوائي من القادة، وحالة التخوين التي يتبعها البعض، دائما لا يتم حساب مردودها على مئات الآلاف، وربما الملايين من أبناء الشعب الفلسطيني، الذين فرضت عليهم الظروف في بلد محتل أن يعيشوا مشتتين في بلاد العالم، ويتخذوا منها وطنا بديلا، بل هناك أجيال وجدت نفسها في دول أخرى منذ مجيئها للحياة، لتعيش وتتعايش في هذه الدول.
ما يقلقني هو كيفية التعامل من جانب القادة الفلسطينيين مع هذه الحالة من أبناء فلسطين المحتلة، وخصوصا ردود الفعل التي ربما لم يتم حسابها بدقة، واتخذوا من السب والقذف وشعارات التخوين وسيلة للردود وإثارة الرأي العام، بدلًا من الرد السياسي، والحوار والبحث بعيدًا عن عالم "الميديا" و"السوشيال ميديا"، والتي شوهت الكثير من الأمور.
حقيقة.. أدرك جيدا أن قادة الدول التي تقوم بخطوة سياسية، ومنها الإمارات نحو إقامة علاقات مع إسرائيل، تفرق جيدًا بين الردود العشوائية الفلسطينية، وبين حقوق أفراد الشعب الفلسطيني، والذي احتضنته دولة الإمارات على مدى السنين، حتى من قبل تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة في 2 ديسمبر 1971، فهناك الآلاف من الفلسطينيين، الذين نزلوا إلى الإمارات في الستينيات، وماقبلها وما بعدها، ليتخذوا منها وطنًا بديلًا، ويعيشون فيها بكل حرية، وهو نفس الشيء في مختلف الدول العربية وغيرها.
لا بد أن يدرك أصحاب الكراسي الفارهة، وفئات النضال من أجل مصالح خاصة، أنهم يرتكبون بتعبيراتهم نحو البلدان، والشعوب التي تقيم علاقات مع إسرائيل، عمليات تتسم بالحماقة السياسية، وربما التحريض غير المعلن ضد أبناء فلسطين في تلك الدول، وهو حتما ما أثار حالة من القلق بين إخواننا الفلسطينيين في بلدان الاغتراب، وتخوفات على مستقبل أولادهم، الذين لم يعد لهم ملجأ سوى تلك الدول التي ولدوا وتربوا وتعلموا وعاشوا وعملوا وأسسوا عائلات فيها، إلى حين.
شخصيا أنا واحد من الذين عاشوا وزاروا عشرات العشرات من دول العالم، بما فيها بلداننا العربية وفي الخليج منها أيضا، تزاملت وتصادقت وعشت مع العديد من أبناء من أفراد الشعب الفلسطيني، الذين اتخذوا قرارات مصيرية في حياتهم، بالاستقرار الدائم في هذه الدول، بل هناك من نال الجنسية أو جوازات سفر من تلك الدول، وهو ما أكد على ارتباطهم الوثيق بها، لتصبح الوطن الحالي، إلى أن يقضي الله أمرًا.
وبالتالي أرى من حقهم أن يقلقوا على أنفسهم، وأن يشعروا بالخوف من استخدام البعض مقولات وتعبيرات صناع السياسة، أو بعض المتاجرين بالقضية الفلسطينية ضدهم، خصوصا من بعض العامة، في شكل تحريض ربما في جانبه منه غير مقصود.
نتذكر هنا تجارب مأساوية لجاليات فلسطينية تعرضت لضرر بالغ في فترات المتغيرات السياسية، وردود الفعل عليها، أو الانحياز لموقف سياسي ضد موقف سياسي آخر، وكانت الضحية فيها أفراد تلك الجاليات، وعاشوا مجددًا حالة من الشتات لسنوات، وربما بعضهم إلى الآن.
أتصور أن القضية الفلسطينية في 2020، ليست هي ذاتها في 1948، ولا في 1956، ولا في 1967، ولا هي كما كانت في 1973، وتختلف عما كانت عليه في 1978، و1989، وغير ما كانت عليه في 1993، ولا بعد أوسلو 1، واتفاق الأردن وإسرائيل في 1994، ولا أوسلو 2 في 1995، ومرورًا بكل ما تلي ذلك، بما فيها مبادرة السلام العربية.
فهناك كثير من المياه جرت في أنهار السياسة، وحدثت العديد من المتغيرات، وظهرت أجيال جديدة تعيش في الخارج، مؤكد أنها مهمومة بالقضية الفلسطينية، ولديها ثوابت، ولكن تحكمها في بلدان الاغتراب ضوابط، ومصالح، ولا يمكن أن نطالبهم فوق طاقتهم، فهمومهم بالوطن ثقيلة، والإحساس الطويل بالاغتراب مؤلم، فهم ينطبق عليهم القول "البحر أمامكم والعدو خلفهم"، وهموم الوطن في "أنهار" القلوب وشرايينها، وفي الهم العقلي والفكري.
ومن هنا أتفق مع من ينادي بالنقاش العقلاني، دون ضجيج، لبحث مختلف الأمور والتعبير عن الرأي السياسي دون تجريح أو تخوين، والدخول في حوار سياسي يبحث عن حلول على الأرض، وليس مجرد نقاش عبر الفضاء المفتوح، لوضع نقاط محددة وفق الثوابت الرئيسية، التي تربي عليها الجميع، ويتمسك بها أصحاب القضية، حتى لا نجد أنفسنا أمام قضية جديدة، وربما تظهر أطراف خارجية، لا يهمها سوى الكيان الإسرائيلي، ويستغل كل ورقة وكل فلسطيني مغترب في تحقيق المصالح للكيان الصهيوني.