الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

لا نريد سوى الحب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تشبعت الفترة الماضية بدعوات التباعد الجسدى، التى حققناها بالمزيد من التباعد الاجتماعى أحيانا، فلا يعقل أن ترى صديقًا ولا تتحدث معه، وأثناء الحديث تقترب كى تشعر بدفء الصداقة بينكما أكثر. لذا قرر الكثيرون البعد، هذا البعد الذى كان اختياريًا فى الماضي القريب عبر استبدال الاتصال الحقيقى بهذا الافتراضى. صار هذا البعد إجباريًا بشكل ما لدى البعض منا. وبدأنا فى التعرف على أنفسنا عن قرب أكثر حين ابتعدنا. 
اكتشفنا ونحن ونهتم بأنفسنا عبر تنظيفها وإبقائها بعيدًا عن الخطر أنها كانت تحتاج للحب. نعم. كنا نحتاج لأن نرسل لأنفسنا إشارات بأننا نحبها. ربما هذا الذة أبقانا متوازنين لفترة أكبر. إن كل ما يحدث ماهو بشكل أو بآخر إلا اهتمام بحيواتنا. حفاظا على البقاء بأسلوب النبضات. كل خطوة تقوم بها كى تحمي نفسك من الوباء ماهي إلا نبضة قلب لجسد علاقتك بنفسك. رسائل تقول: "أنت يا نفسى تستحقين الحياة.. أريد أن أبقى معكِ فترة أطول.. أحبك.. أنتِ محور كل ما أقوم به الآن.. لا أحد ينسينى أن أهتم بك".. ثم الكثير الكثير من الرسالئل.. تقدم لنفسك طعامًا جميلًا. ثيابًا نظيفة. هدوءًا بعيدًا عن صخب الاندماج مع أشخاص لا تحبهم. وهدوءًا يعطيك القدرة على رؤية حجم الشوق إلى هؤلاء الذين اشتقت لأن تلقاهم بعناق طويل لأنك حقًا تشتاق إليهم بشدة. 
توصل الكثير من الباحثين إلى أن الإنسان الذي يواجه مشكلات فى أن يحب نفسه لن يتمكن من أن يحب الآخرين بشكل صحيح. وأنا أتفق مع هذه النتيجة إذ لا يعقل أن تجد صعوبة في أن تحب ذلك الكائن الذى لا يفارقك حتى فى أحلامك وحالات غيابك عن الوعي، فكما قال إيثان هوك في فيلم "قبل الشروق" ما أريد تجربته حقًا هو أن أذهب إلى مكان بدون أن يكون فيه "أنا" فكل مكان أذهب غليه آخذ نفسى معى". فإذا لم تستطع هذا الذي تأخذه معه في كل مكان كل وقت، كيف ستحب الأشخاص المؤقتين الوجود بشكل صحيح. سيكون حبًا مشمولًا بالنفاذا المؤقت. لا تسطيع أن تعول على ذلك فى حياة كاملة. لذا كلما كان لقاؤنا ببعض الأشخاص أقصر كلما زادت فرص حبنا لهم، ومن ثم قلت فرص خلافنا معهم. ربما أرادوا هذا المعنى حين قالوا فى المثل "خليك بعيد حبك يزيد". لكن الذي حدث فى فترة الحظر أنك كنت تدلل نفسك وتبعد عما كان يزعجها منك كأطعمة الشارع الجاهزة التى تسعدك وقتيًا وتنهك جسدك طويلًا. والسهر فى الخارج الذى يجعلها تجاهد كى تواكب ضغطك عليها كى تبقى في كامل لياقتها فى وقت تحتاج فيه أن ترتاح قليلًا. لو تحدثت نفسك لشكرتك قليلًا. 
حتى حين نقع فى الحب فإننا نعمل على رؤيته عبر الثقوب التى يصنعها حبنا لذاتنا فى العالم. فالضوء الذي يدخل لروحك من علاقة ما هو القدر الذى تحتاجه نفسك التى تحبها، لذا تقول أن هذا الشخص يناسبنى أن أتعامل معه وهذا لا. فمن أين أتيت بهذه المناسبة؟. إنها مسألة نسبية بحتة. حين تلتقى بشخص تحبه كل مرة تستيقظ حسابات أينشتاين فى ذاتك بقوة. هل يعطيك تلك الطاقة التي تكمل قدرتك على الحركة كما تريد في الاتجاه الذى تريد، وهل يترك خلفه وجودًا مقبولًا من الضوء فى روحك وفقًا للثقوب التى دخل من خلالها لذاتك أم أن نوره أكبر أو أقل؟. ليست هناك إجابات ثابتة لأى سؤال. إلا الإجابات التي تراها نفسك التى تحبها. 
ظهر منذ زمن بعيد فن أسموه "فن حب الذات" أو "فن تقدير الذات". هذا الفن هو ما يجعلك تحب ذاتك دون أن ترفعها فوق الآخرين حد أن تجعل من مبادئك مجموعة من أساليب التقية تحل لك استباحة كل ما في العالم من أجل إسعادها على حساب حقوق كل الكائنات. وهو ما رأيناه جليًا فى بوح ألبرتو مورافيا عن حب الذات في كتاباته. إن المبادئ هى مفتاح الحماية، والمبادئ ليست عقلًا صرفًا ولا عاطفة مطلقًا، بل هى مزيج من هذا وذاك تجعلك إنسانًا لا يؤذى أحدًا. فحب الذات الصحيح يجب أن يكون فى أهم وجوهه طريقًا يصل بك لحب الآخر، وإلا كان عليك أن تراجع مبادئك، وأن تحب نفسك أكثر لكن فى الاتجاه الصحيح.