أدرك جيدا مدى ما تبذله الحكومة الحالية من بناء بنية تحتية ظلت مهجورة لعقود حتى تهالكت، وأصبحت غير قادرة على استيعاب أى تطور يحقق أهداف الدولة من توسعات فى الاستثمار والتنمية، وتوفير فرص العمل، وبناء مصانع بما يوفر رفاهية لشعب عانى كثيرا، ولا يزال من صعوبات الحياة وآلامها.
نحن الجيل الذى ولد فى ستينيات القرن الماضى، عندما تفتحت عيناه فى أفق المدى فوجد نفسه مكبلا بآلام نكسة يونيو ووجد أعمامه وأخواله وأشقائه الكبار بل وبعض الآباء على الجبهة لسنوات بعضهم تجاوز الستة فى انتظار الثأر للهزيمة الموجعة وللكرامة التى أهينت بفداحة فى الأرواح والمعدات والأرض.
ولم يستطع هذا الجيل أن يعلو بصوته على صوت المعركة المنتظرة، والتى جاءت مكللة بالنصر واسترداد الكرامة فانتظرنا عودة رجال الأسرة من ساحة المعركة، فاستقبلنا بعضهم فى نعوش بعد أن قضوا نحبهم شهداء، ومنهم من عاد بعاهة، تحول بينه وبين حياته الطبيعية، وبعضهم عاد محملا بالآمال والأحلام، بعد تحقيق النصر المؤزر.
إلا أن أيا من هذه الأحلام لم تجد طريقها نحو أرض الواقع وظلت مجرد أحلام مؤجلة إلى حين لم يحن، وظلت القلوب تهفو إلى فرصة باتت من المستحيلات، فوعدنا "الرئيس المؤمن" بالمن والسلوى بعد إبرام معاهدة للسلام مع الأعداء وبخزائن مليئة بالدولارات والخيرات لا حدود لها.
لكننا وجدنا أنفسنا غرباء وسط مصطلحات جديدة لم نعتدها من قبل، مثل "الانفتاح الاقتصادي" و"القطط السمان" و"حيتان الفساد" و"السلع الفاسدة" ووجدنا الأسواق قد امتلأت بمنتجات جديدة استهلاكية، أنيقة ومستوردة، تزامن معها طوابير أمام الجمعيات الاستهلاكية للحصول على دجاجة مجمدة، أو سلع بسيطة مثل الصابون والسكر وغيرها من ضروريات الحياة.
الحياة الرغدة التى وعدنا بها صاحب مبادرة السلام، لم نشهد فيها سلاما اجتماعيا كالذى عاشه أسلافنا فى الخمسينيات والستينيات، فانتشرت الرشوة ولم تعد الكفاءة معيارا للتعيين فى الوظائف المهمة والحيوية وأصبحت الواسطة هى الوسيلة الأساسية للحصول على وظائف بعينها.
ولم يشهد العهد التالى تحسنا فى أحوال الناس بل ازداد طينه بلة، فحاول تقنين الفساد الذى ورث بعضه عن سابقه، فانتشر مبدأ التوريث بتعيين أبناء العاملين فى الوظائف المتوسطة الأهمية، مثل وظائف الكهرباء والجهاز المركزى للمحاسبات وغيرها حتى وصل الأمر للوظائف الأعلى، بما فيها رئاسة الجمهورية التى شهدت محاولات إدراجها ضمن مبدأ وظائف "أبناء العاملين"! حتى وإن كانوا رؤساء جمهورية.
وكان يجب أن تقوم ثورة شعبية لوقف التدنى الذى لا يتوقف، والفساد الذى لا تبدو له نهاية، ونجح الشعب فى تحقيق هدفه بإزاحة النظام الذى استمر جاثما على صدور الرعية، لثلاثة عقود ولكنه فوجئ بخفافيش الظلام ينقضون على الثورة فى مهدها، ويعتلون سدتها حتى آل لهم الحكم، ودانت لهم البلاد، لكنهم لم يحفظوا الأمانة التى أصبحت فى ولايتهم، واعتبروها فيئا وغنيمة يحق لهم اقتسامها بين بعضهم البعض! وراحوا يهبون خيراتها لجماعتهم، ومن يدين بفكرهم، ومعتقدهم دون باقى الشعب، الذى وجد نفسه أسيرا مختطفا يرى بلاده فى حوزة زمرة، لا تعترف بقيمة الوطن، ولا المواطن بل بقيمة الجماعة والمعتقد!
ولذلك كان ضروريا استعادة الدولة بثورة جديدة تصحح العوار الذى أصاب ثورتهم السابقة، ولم يكن هناك ملجأ ولا ملاذ آمنا سوى الجيش وقائده الذى يشهد له الجميع بحسن الطوية والهوية، وكانت كلمته التى مست شغاف القلوب: "إن هذا الشعب لم يجد من يحنو عليه" فتعلقت الآمال والأحلام بقائد شهد بأن رعيته عانت كثيرا، وآن لها أن تستريح بعد عناء طويل فتشبث به شعبه.
وانشغل الرجل بإصلاح ما أفسده السابقون، حتى يحقق ما وعد به من رفاه لرعيته، التى افتقدت من يحنو عليها طويلا، وطموحها ما زال ينتظر منه الكثير ومن هذه اليد الحانية ما يهون عليه مصائب الدهر، وتعوض له سنوات القهر والحرمان الطويل وكل آمال هذا الشعب تحقيق كل ما يصبوا، ويأمله من قائده.