الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

طه حسين ومستقبل الثقافة في مصر (1)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إن الكتابة عن طه حسين هى حديث عن المستقبل، ذلك أن هذا الرجل الذى حرمه الله من نعمة البصر، وهبه الله بصيرة نفّاذة استطاع بها أن يخترق حجبًا كثيفة نحو المستقبل، كما غرس فيه روحًا وثَّابة متمردة سعت إلى الجديد لتتعلمه وتستوعبه وتتمثله، ومن ثمَّ كان تاريخ طه حسين تاريخًا متميزًا استطاع فيه أن يفتح الباب لأفكار وممارسات جديدة أراد بها أن يضع شعبه على مشارف طريق النهوض والتقدم.
ومثله مثل الإمام محمد عبده وأحمد لطفى السيد اهتم طه حسين بالتعليم كمفتاح للإصلاح الفكرى والاجتماعي، وآمن بضرورة انتشاره كمقوم للحياة الديمقراطية، فرأى أن الدولة ملزمة بنشر التعليم، والاضطلاع بكافة شئونه. (د.طه حسين، مستقبل الثقافة في مصر، الطبعة الثانية - النسخة الورقية -، دار المعارف، القاهرة، 1996، ص 9)
إن التعليم في رأى طه حسين- هو أساس الثقافة وهو كيانها، ولقد اهتم طه حسين بالتعليم اهتمامًا بالغًا، فقام بعرض نظمه، وحدد مشكلاته ووضع لهذه المشكلات حلولًا. لقد أشار طه حسين إلى أهمية التعليم كأساس للثقافة وأكد أن «التعليم» هو السبيل العملي لأن يصبح المرء مثقفًا، وكان يقصد التعليم الجاد الذى ينشئ عقلية مبدعة فاحصة ناقدة، لا التعليم القائم على الحفظ والترديد والذى يكرس الجهل والتخلف والتزمت. ومن هنا جاء عنوان هذا الكتاب «مستقبل الثقافة في مصر»، فالتعليم ومستقبله هو لب هذا الكتاب. ولهذا اهتم طه حسين في هذا الكتاب الذي نعرض له الآن، برسم سياسة تعليمية متكاملة. فوضع في هذا الكتاب الذى صدر منذ أكثر من ثمانين عامًا يده على مفاتيح إصلاح التعليم.
إن عميد الأدب العربى طه حسين حين اختار هذا العنوان بالذات «مستقبل الثقافة في مصر»، قد اختاره متعمدًا، وكان موفقًا في هذا الاختيار. وقبل الدخول في عرض وتحليل الفرق بين الثقافة والتعليم بوجه عام، ينبغى الوقوف على معنى الثقافة عند طه حسين للانطلاق من أبعادها وملامحها للتمكن من إنجاز مهمتنا في عرض الكتاب. لقد تتبع طه حسين المعانى المختلفة لكلمة «الثقافة» وركز على مفهومها، وعلى تحديد أبعادها وملامحها، فهى كلمة تردد كل يوم على الألسن «وقليل منا يحققها في ذهنه، ويستطيع أن يعرب إعرابًا صحيحًا عن معناها، شأنها في ذلك شأن ألفاظ كثيرة تنطق بها الألسن وتجرى بها الأقلام، وليس لها في نفس الذين ينطقون بها معنى واضح أو صورة دقيقة». وعندما تناول طه حسين كلمة «ثقافة» اعطاها عمقًا علميًا، ومن ثمَّ استقرت الكلمة عنده لتأخذ سمات متسعة ومتشعبة فيصف الرجل المثقف بقوله: «هو هذا الرجل الذى أخذ من العلوم والفنون بأطراف تتيح له أن يحكم على الأشياء حكمًا صحيحًا». لقد ربط طه حسين بين التعليم- كممثل ثقافى أساسى- وبين الحضارة، فالتعليم عند طه حسين يؤسس للثقافة، فهو ينظر إلى التعليم بوصفه وسيلة ناجعة لأن يصبح الشاب المتعلم مهيئًا ليكون رجلًا مثقفًا، لقد أكد أن التعليم هو السبيل العملى لتحقيق الثقافة، ولما كان الكتاب الذى نعرض له معنونًا بهذا الاسم «مستقبل الثقافة في مصر»، فإن هذا المحور (التعليم) يُعَد جوهر الكتاب وأساسه، فالتعليم هو لب الثقافة وأساسها. وهذا المفهوم العملي للثقافة عند طه حسين يرتبط بالمفهوم التربوى لها أيضًا «فالثقافة بالنسبة للتربية تؤخذ عادةً على أنها تعنى مستوى عال من الامتياز العقلى والفنى في شخص أو مجموعة من الأشخاص».
يقول طه حسين: «إن الجامعة لا يتكون فيها العالِم وحده، وإنما يتكون فيها الرجل المثقف المتحضر الذى لا يكفيه أن يكون مثقفًا، بل يعنيه أن يكون مصدرًا للثقافة، ولا يكفيه أن يكون متحضرًا، بل يعنيه أن يكون منمَّيًا للحضارة، فإذا قصرت الجامعة في تحقيق خصلة من هاتين الخصلتين، فليست خليقة أن تكون جامعة، وإنما هى مدرسة متواضعة من المدارس المتواضعة، وما أكثرها، ولست خليقة أن تكون مشرق النور للوطن الذى تقوم فيه، والإنسانية التي تعمل لها، وإنما هى مصنع من المصانع، يعد للإنسانية طائفة من العلماء ومن رجال العمل، محدودة آمالهم محدودة قدرتهم على الخير والإصلاح».