تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
الأمن القومى لأى دولة لا يعنى الجانب العسكرى فحسب، فقد أخذ مفهوم الأمن القومى أبعادا متعددة وآفاقًا واسعة تشمل كل مناحى الحياة من حماية الحدود الدولية بين الدول خارجيا مرورا بتفعيل كل أدوات القوى الناعمة من تعليم وفن بكل أساليبه وإعلام لإعداد شخصية وطنية ملتزمة ومنتمية وصولا لاستيعاب كل المقدرات المادية والبشرية لزيادة الإنتاج للاستغناء عن الآخر وزيادة الدخل القومى، وذلك في ظل ظروف استيعابية لكل التوجهات السياسية والحزبية حتى تتحقق حالة من حالات التوافق الوطنى الذى يساهم في أن يشارك الشعب في اتخاذ القرار، هذا مع وجود قوى عسكرية تعد إعدادًا جيدًا بما يتوافق بل يفوق القوى العسكرية المحيطة بالدولة. لأن جهوزية القوى العسكرية هى الرادع الأساسى والأهم بل هى الأوراق التفاوضية على منضدة التفاوض قبل أن يبدأ. ولذلك وعلى ذلك أدركنا بالفعل عملية إعادة بناء القوات المسلحة وتعدد مصادر السلاح بل امتلاك القوى المحاربة والرادعة برا وبحرا وجوا حتى أصبح الجيش المصرى تاسع جيش عالميا. في مثل هذه الظروف العسكرية يمكن أن يتسرب إحساس بالقوة لأى نظام سياسى يجعله في حالة زهو فيفقد الرشد فيمارس سياسات عدوانية ضد الغير اعتمادا على هذه القوة العسكرية مثل ما نرى وبغير مواربة سلوكيات أردوغان في ليبيا وشرق المتوسط وبلطجته متعدية الحدود والقانون في سوريا والعراق. ناهيك عن توسعاته الحالمة في أفريقيا. ولكن والحمد لله فمصر تمتلك سياسة خارجية متوارثة عبر التاريخ تؤكد دورها الإقليمى في الدفاع عن النفس دون الاعتداء على الغير حسب جمال حمدان (مصر دولة دور وليست دولة موارد). هنا في ظل المشكلة الليبية وفى ظل حدودنا المشتركة مع ليبيا لأكثر من ألف كيلو متر. والأهم في إطار التدخل التركى الغاشم الذى يحلم بعودة الاستعمار الاستيطانى الذى تخطاه العالم الآن، ذلك التدخل الذى يستهدف مصر بكل وضوح خاصة بعد إسقاط نظام الإخوان الذى كان يعتمد عليه أردوغان في إعادة خلافته المتوهمة، إضافة على تلك التحرشات البحرية في شرق المتوسط والتى تجاوز فيها كل القوانين البحرية الدولية باتفاقيته المغلوطة مع السراج، ومع كل هذه الاستفزازات لم تخرج مصر عن قناعاتها بأن الحلول السياسية هى الأنجح بكل المقاييس ولكن كان القرار المصرى متوافقا وفى إطار الردع العسكرى والذى تمثل في الخطوط الحمراء التى وضعها السيسي بألا يتخطى أحد سرت والجفرة، إضافة لإعلان جهوزية القوات لأى مهمة. كانت هذه هى الخطوة الأهم والتى حركت كل الاتجاهات وصولا للضغوط التى أسفرت عن إعلان وقف إطلاق النار من جهة السراج والبرلمان الليبى المنتخب، فدور مصر تأكد بتوجيه السراج الشكر للسيسي بل طلبه أن تلعب مصر دورا في الحل السياسى. ومن جهة أخرى رأينا النظام التركى يعلن أن على مصر وتركيا فتح باب الحوار حيث إن لتركيا ومصر تاريخا مشتركا طويلا. ولكن هل سيتحقق بالفعل وقف إطلاق النار أم أن الأمر سيعود مثل سابقه؟ تقول حكومة السراج إنه لا مكان لحفتر في المفاوضات بل تطلب انسحاب قوات الجيش الوطنى من الشرق، فهل هذا سيكون؟ هل ستكون المفاوضات بين السراج وعقيلة فقط وما موقع الجيش الوطنى؟ الأهم يؤكد البيان على انسحاب كل القوى الخارجية والميليشيات المسلحة، فهل ستنسحب تركيا أم ستعتبر أن وجودها رسمى حيث طلب الحكومة التى يقال عنها إنها الشرعية؟ هناك الكثير والكثير من التساؤلات التى ستظهر مستقبلا، الأهم هل هناك نيات خالصة للحل؟ نتمنى هذا والمؤكد أن سياسة مصر في اختيار الحلول السياسية بخلفية ردعية عسكرية قد حل الأوضاع كما أن هذه السياسة ستكون فاعلة في قضية سد النهضة فالأمن القومى المصرى لا مجال للمساومات حوله أو عليه. حمى الله مصر وشعبها العظيم.