تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
استكمالًا لما بدأناه في المقال السابق عن المبادرة الإماراتية الإسرائيلية التي أعلن عنها مؤخرًا والتي اعتبرناها كالحجر الذى ألقى في مياه السلام الراكدة منذ الخريف العربى، والتي قابلها البعض بالرفض وتكرار الاتهامات التي وجهت في الماضى للرئيس السادات حين قام بمبادرته التاريخية بحثا عن تحقيق السلام الشامل في المنطقة، والتي ما زال بعض شعوبها ترفع راية الحرب كخيار استراتيجى بالنسبة لها، معتبرة كل من يدعو إلى السلام خائنًا وعميلًا وبائعا للقضية، فالسادات كما ذكرنا اعتبروه خائنا بل وكافرا يجب قتله، وهذا ما تم بإيدٍ تربت عقولها على شعارات "خيبر خيبر يا يهود..جيش محمد سوف يعود" و"الموت لأمريكا وإسرائيل" و"بيب بيب بكره هانبقى في تل أبيب" و"ع القدس رايحين شهداء بالملايين" تلك الشعارات التى يرفعها البعض حتى يومنا هذا لتغذى عقول البسطاء وتشعل الحماس في قلوب الشباب، ولكن هل تكفى هذه الشعارات لخوض معركة حقيقية ضد إسرائيل؟ وهذا هو السؤال الذى أنهينا به المقال السابق، هل بمقدور هؤلاء الذين يريدون الحرب أن يدخلوها حقا، وأن يحققوا انتصارا على إسرائيل؟ أم أنهم سيدخلون الحرب بمنطق الطبلة والربابة كما قال الشاعر الراحل نزار قبانى "إذا خسرنا الحرب فلا غرابة..لأننا ندخلها بكل ما يملكه الشرقى من مواهب الخطابة..بالعنتريات التى ما قتلت ذبابة..لأننا ندخلها بمنطق الطبلة والربابة" والحقيقة أن هذه الفصائل قد أعلنت موقفها الرافض حين وقع ياسرعرفات اتفاق أوسلو واعتبروه كالسادات خائنا ومجرما، ونفس الأمر تكرر مع الملك حسين حين وقع اتفاقا للسلام مع إسرائيل في 94، فقد هاجموه أيضا ونعتوه بأقذر الألفاظ، لكنهم صمتوا للمرة الأولى في حياتهم حين أعلن الملك عبدالله بن عبدالعزيز مبادرة السلام العربية في قمة بيروت 2002، والتى وافق عليها العرب جميعا، وكان من نصوصها اعتبار النزاع العربى الإسرائيلى منتهيا، والدخول في اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل في إطار تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة، وإنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار السلام الشامل، وإذن فالعرب يريدون السلام وإسرائيل أيضا تعلن على لسان قادتها رغبتها في السلام، وهاهو الرئيس عبدالفتاح السيسي يجدد الدعوة للبدء في مفاوضات تؤدى في النهاية إلى سلام شامل في المنطقة، فماذا لو أن هذا قد حدث بالفعل، ترى من سيكون الخاسر ومن الفائز؟ ولنبدأ بالفائز والذى سنكتشف أنه ليس واحدا بل هم جميع شعوب المنطقة التى عانت كثيرا من ويلات الحرب، وأولهم الشعب الفلسطينى، والذى سينعم بالأمان مودعا سنوات الحصار والقتل والدمار، فلن تستيقظ الأطفال مرة أخرى على أصوات الدانات، ولن ترى النساء رجالها قتلى، وسيمتد العمران إلى كل مكان، وسيأتى المستثمر العربى والأجنبى لتتحول غزة إلى مدينة عصرية منتجة، وستعرف السياحة طريقها إلى هناك، ولن تجد شابا عاطلا، أو مستشفى بلا دواء، وسيضع الشاب في غزة سلاحه ليمسك بفأسه ويزرع ويبنى ويعمر، أما الخاسر من تحقيق السلام فهو ذلك الذى يستفيد من رفع شعار الحرب والذى يحتفظ لنفسه بمكانة اجتماعية ملقبا نفسه بمناصب سياسية رفيعة، وذلك بمساندة بعض الدول التى يخدم أجندتها ويعيش على دعمها المالى، بالإضافة إلى ما يتلقاه من تبرعات أبناء الوطن العربى الذين يتعاطفون مع صورة طفل استشهد برصاص إسرائيلى، فإذا أراد زيادة المعونات والتبرعات أطلق قذيفة باتجاه إسرائيل تنجح في شرخ جدار بناية قديمة لايسكنها أحد فتقوم منظومة الدفاع الإسرائيلية بالرد الفورى فتسقط الضحايا ويصرخ هؤلاء وهم يناشدون ضمير العالم الحر أن يوقف الحرب، الخاسر ياسادة هو كل مستفيد من الوضع الراهن، ولو أن السلام قد تحقق بالفعل فإن كل هذا النعيم الذى يعيشه سيتبخر فجأة، وسيصبح مواطنا عاديا فكيف له أن يتنازل عن تلك المكانة التى انتزعها بالقوة؟ وإذن فمن صالحه أن يظل على موقفه، وربما يدرى أو لا يدرى أنه بذلك يحقق رغبة إسرائيل، والتى تتمنى ثبات الحال على ما هو عليه، فالمفاوضات تعنى التنازل ولا شك أن البعض هناك لا يجد ضرورة لهذا التنازل خاصة بعد هبوب رياح الخريف العربى التى اقتلعت الأشجار من جذورها وأحرقت البيوت على أهلها، فلم تعد القضية الفلسطينية مثار حديث عند العرب، حتى جاء الرئيس عبدالفتاح السيسي في العام الماضى وفتح حديث السلام من جديد بعدما انقطع لسنوات طويلة، فهل من أذن تنصت؟