السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

"حمادة" لم يعد مدمنًا!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"حمادة" شاب في الثلاثين من عمره لكنه كمن ولد منذ عام واحد فقط، فذلك هو تاريخ ميلاده الجديد الذي لن نجده في شهادة ميلاده وإنما في سجل تجربة تعافيه من المخدرات! منذ عام بدأ حمادة علاجه من تعاطي وإدمان المخدرات وتدريجيا بدأ يستعيد أنفاس الحياة بعد أن قضى أكثر من عشر سنوات كاملة مريضا بالإدمان بل شبه ميت، بلا روح أو عقل أو إحساس، تنهش جسده كل أنواع المواد المخدرة بدءا من تجربة سيجارة حشيش من تلميذ زميل له في سنتر "الدروس الخصوصية" في عام الثانوية العامة ليتنقل بعد ذلك بين كافة أنواع المواد المخدرة الخطيرة إلى أن أصبح يسرق المال من حقيبة يد والدته وأخته ويبيع أجهزة المنزل بعد أن يتسلل بها إلى الشارع كالحرامي لينفق على شراء المخدرات.. ولم يكن أي جهاز موبايل جديد ليبقى لدى أفراد أسرته أو أقاربه أو أصدقائه مادام حمادة قد لمحه!
حمادة هو واحد من آلاف المتعافين من الإدمان الذين يشرف صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي بالتعاون مع إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة على علاجهم من خلال بروتوكول متكامل (طبي ونفسي ورياضي وفني) مع إطلاق حملات موسمية "أنا أقوى من المخدرات" بمشاركة رياضيين وفنانين وإعلاميين، إضافة إلى نحو 30 ألف متطوع من الشباب لرفع مستوى الوعي والمهارات لدى طلاب المدارس والجامعات ومراكز الشباب وذلك بهدف إزالة الوصمة عن مرضى الإدمان ومساندتهم على الاندماج مرة أخرى بالمجتمع والتأكيد على أن الإدمان مرض يمكن العلاج منه، بالإضافة إلى بث روح التحدي والإرادة لتجاوز الأزمة واستعادة حياتهم الطبيعية.
الأرقام التي أعلنها التقرير السنوي حول أوضاع المخدرات على المستوى الدولي مرعبة وتعكس خطورة هذه المشكلة حيث يوجد 269 مليون شخص يتعاطون المخدرات حول العالم وهناك 35,6 مليون شخص يعانون من تأثيرات الإدمان، إضافة إلى 500 ألف شخص يلقون مصرعهم بسبب المخدرات التي ينتشر أكثر من 900 نوع، منها المخلقة التي تحتوي على مواد كيماوية مدمرة لخلايا الجسم، كما أن الوفيات بسبب مخدر الأفيون ومشتقاته زادت بنسبة تتجاوز الـ70% خلال السنوات العشرة الأخيرة.
ورغم خطورة مشكلة التعاطي والإدمان في مصر وصعوبة التعامل معها إلا أن تجربة مصر ناجحة وملهمة ونموذج مهم للغاية في المنطقة العربية والأفريقية حيث يتصدى صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى برئاسة نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي لهذا الملف المقلق للعائلات والمجتمع المصري؛ ويعمل الصندوق على خفض الطلب على المخدرات وتقديم الخدمات العلاجية المجانية لمرضى الإدمان وفقا للمعايير الدولية وبشكل يراعي السرية. ويخصص الصندوق الخط الساخن "16023" لعلاج الإدمان.
 وقد أعلن عمرو عثمان مساعد وزيرة التضامن ومدير الصندوق خلال الندوة التي نظمها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لمناقشة التقرير السنوي حول أوضاع المخدرات في العالم أن الصندوق قدم الخدمات العلاجية لأكثر من نصف مليون مريض إدمان في مصر خلال 2015-2019 ، بجانب الدور المهم في تنظيم حملات الكشف المبكر عن تعاطي المخدرات على الطرق وداخل أماكن العمل وكذا برامج التوعية من مخاطر الإدمان والتوسع في إنشاء مراكز علاجية جديدة لتقديم الخدمات لمرضى الإدمان بالتعاون مع وزارات الصحة والشباب والرياضة والداخلية والقوات المسلحة والمجتمع المدني.
ولعل التوسع في إنشاء المراكز والمستشفيات العلاجية والتأهيلية هو مؤشر على نجاح التجربة المصرية حيث ارتفع عدد المتقدمين لطلب العلاج طوعيا مما استوجب زيادة المراكز لاستيعابهم، كما أن فكرة إشراك اللاعب العالمي القدوة للشباب محمد صلاح في حملات "أنت أقوى من المخدرات" هي فكرة عبقرية وثبت فاعليتها وأدت إلى زيادة الإتصالات على الخط الساخن إلى400%، كما يقول "عثمان"، وأشار أيضا إلى وجود 23 مركزا علاجيا في الوقت الحالي، بجانب قرب افتتاح 3 مراكز جديدة في محافظات البحر الأحمر وبورسعيد ومطروح، و كذلك إطلاق أول دبلومة في جامعة القاهرة تدعم أكاديميا الجهود الخاصة بخفض الطلب على المخدرات وهي الأولى على مستوى الشرق الأوسط .
كما أن نجاح هذه التجربة المصرية الطموحة يعود في رأيي أيضا إلى تنبه واضعي السياسات إلى تقديم خدمات ما بعد العلاج والمقصود بها الدمج للمتعافين في بيئتهم ومجتمعهم بتوفير تمويل لإنشاء مشروعات صغيرة لهم حيث لا يمكن أن نغفل عن حقيقة أن المدمن حتى بعد التعافي يظل محل ريبة وشك ليس فقط من محيطه الصغير وإنما أيضا من كافة الشركات التي قد ترفض تشغيله. لذلك فمساعدة الصندوق لهؤلاء المتعافين هو أمر في منتهى الأهمية ولا غنى عنه لتوفير فرص عمل لهم وإعادة ثقتهم بأنفسهم و تشجيعهم على إنشاء مشروعاتهم بدعم وتمويل من الدولة حيث يقدم بنك ناصر الاجتماعي التمويل لتلك المشروعات والضامن هو الصندوق الذي يتحول لصديق المتعافين الحريص على رعايتهم كما أنه ينظم دورات رياضية لهم ويحضرها لاعبو الكرة والفنانون الذين يشاركوهم اللعب والترفيه والتحفيز على المضي قدما في طريق مختلف مليئ بالأمل والثقة لعدم العودة للمرض الذي دمر حياتهم!
ولعله من الضروري التأكيد على أهمية دور العائلة في هذا الملف رغم تراجع دورها التربوي أمام "ديناصور" الشارع بكل ما يحتويه من انحراف لدى أصدقاء السوء والتعرض لتجار السموم. وتحتاج العائلة المصرية بدورها لحملات توعية في وسائل الإعلام المختلفة لتوجيهها و تحفيزها على استعادة دورها مع الأخذ بالطرق الحديثة في التربية والإشراف على الأبناء وهي مهمة إن ضاعت ضاع الأبناء ولن تستطيع أن تسترها بأموال الدنيا التي يلهث الآباء للبحث عنها في دوامة الحياة وصعوباتها فتلهيهم عن الأبناء الذين هم الدافع الرئيسي للسعي لتأمينهم اقتصاديا. ولا يجب أن نغفل عن مسببات مهمة للإدمان وهي التي تفسر لماذا يندفع شاب للتعاطي ولا يندفع آخر، حيث أن الإدمان إضافة لكونه حالة تنشأ من التعاطي المستمر لعقار معين فهو حالة مرضية لها أسباب سلوكية ونفسية واجتماعية وتتطلب الفهم الجيد والعلمي لعلاج تلك الرغبة القهرية لدى المدمن والتي تدفعه للبحث عن المواد المخدرة واستعمالها باستمرار للحصول على تأثير معين. 
وهذا النهج في العلاج المتكامل بين دور العائلة من جهة ودور الدولة من جهة ثانية هو الكفيل بتعافي حمادة وآلاف مثله من مرض الإدمان.