الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الكواكبى وأجداد أردوغان!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كثيرة هى الكتابات والمقالات عن عبد الرحمن الكواكبى (1854- 1920) صاحب (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) لكن "دار الشروق" مشكورة كانت قد أهدتنى الأعمال الكاملة له بطبعة منقحة ومزيدة فى الدراسة والنصوص للدكتور محمد عمارة رحمه الله، فى هذه الطبعة نكتشف ما فعله أجداد أردوغان بواحد من أهم العلماء وكيف حكموا عليه بالإعدام ثم طاردوه فى مصر وقتلوه. بين دفتى الكتاب الواقع فى 600 صفحة ونيف جاءت بمقدمة جديدة يلتقط فيها المؤلف الخيط البحثى للباحث السورى دكتور جان دايه الذى اتخذ علمانية الكواكبى منطلقا بحثيا له وفرضية محاولا إثبات صحتها، ليثبت ريادة الكواكبى فى فصل الدين عن الدولة وعلمنة الإسلام فى عصرنا الحديث عن الإمامين محمد عبده وجمال الدين الأفغاني.
لكن المؤلف يأخذ القارئ معه فى سجال فكرى ومنطقى حول الفرضيات التى اتخذها جان دايه مرجعا له لينفدها ويدحض القول بعلمانية الكواكبى، وهنا عمارة يستند إلى أن "الإسلام بالأساس جاء ليكون ثورة على السلطة الدينية وأن السلطة المدنية التى قررها هى بقرار الشرع وليست من العلمانية الثائرة ضد الشرع والدين!"
وأنه بناء على تحليل المقالات الممهورة بتوقيع "مسلم حر الأفكار" التى استعان بها دايه من جريدة المقطم حول الجامعة الإسلامية وفصل الدين عن الدولة فقد توصل إلى أن من كتبها لا يمكن بأى حال أن يكون الكواكبى، كما يورد أدلة من ردود الشيخ محمد رشيد رضا (1865- 1935م) والتى يقول فيها إن القول بعلمنة الإسلام هى دعاوى لكتاب أرادوا إزاحة الإسلام بسبب عدم وجود بديل نصرانى للدولة. 
يطرح الكتاب الخلاف بين رشيد رضا والكواكبى حول علاقة السلطة الدينية والسياسية، لكن ما استوقفنى هو إلقاء المؤلف الضوء على نقد المصلح الإسلامى الكواكبى للأتراك العثمانيين فى مذكرات "جمعية أم القرى" لكنه على ما يبدو كان يعول على السلطنة العثمانية فى الوقوف أمام القوى الاستعمارية الغربية وكان يأمل فى إصلاحها، ويبدو جليا أنها لم تنصلح حتى الآن والدليل عربدتها شرق المتوسط ووسطه!! 
كان الكواكبى يأمل أن تنتقل السلطة العثمانية إلى الحجاز ومكة بحيث تكون لها السلطة السياسية والروحية على سائر المسلمين ويبرهن المؤلف عماره على موقف الكواكبى الذى كان ينادى بإسلامية الدولة وعودة الخلافة إلى العرب ببعض من مقولاته، لكن الدراسة بالأساس محاولة لإطلاع القارئ على تقدمية فكر الكواكبي. 
الدراسة هنا تستعرض أيضا لإسهاماته فى الصحافة وهو أمر ربما ظل منسيا، فقد أصدر صحيفة "الشهباء" كأول صحيفة عربية خالصة تصدر فى حلب؛ إذ كانت الصحف تصدر باللغتين العربية والتركية، والتى أغلقها الأتراك بعد 15 عددا فقط على يد الوالى العثمانى كامل باشا القبرصى والذى لقب "عدو الحرية والصحافة" وها نحن نشاهد "أردوغان" يسير على نهج أجداده فى قمع الحريات وسجن الصحفيين والكتاب واعتقالهم. 
الكواكبى استكمل مسيرته الصحفية وأصدر "الاعتدال" وواصل فيها تقديم أفكاره والتى أغلقت فيما بعد، ولما اشتد الصراع بينه وبين العثمانيين شد الرحال إلى مصر التى كانت ملجأ للمضطهدين من العثمانيين والأوروبيين. فى مصر نشر المقالات فى صحيفة "المؤيد" والتى جمعها فى كتاب "طبائع الاستبداد" فيما بعد. 
سطعت شهرة الكواكبى من مصر ووصلت إلى أنحاء المشرق والمغرب ويقول المؤلف إنه ارتحل إلى أفريقيا الشرقية والجنوبية ودخل الحبشة "إثيوبيا"، والصومال وشبه الجزيرة العربية وسواحل آسيا الجنوبية والهند وطاف سواحل الصين الجنوبية، وقد أودع نتائج رحلته هذه فى مخطوطة لكنها فقدت مع المخطوطات التى صادرها السلطان عبد الحميد. 
ويخبرنا الكتاب أن العثمانيين أرسلوا أحد عملائهم ليدس السم للكواكبى ويرحل عن عالمنا عام 1902 وشيعت فى القاهرة جنازته فى موكب مهيب حضرها مندوب عن الخديو عباس ودفن بمدافن باب الوزير بسفح جبل المقطم. لم يكتف السلطان عبد الحميد بموت الكواكبى بل أرسل عبد القادر القبانى صاحب جريدة "ثمرات الفنون" البيروتية ليحرز أوراق ومخطوطات الكواكبى "صحائف قريش"، و"العظمة لله" ويرسلها له فى الأستانة. 
كتب حافظ إبراهيم شاعر النيل أبيات على قبر الكواكبي:
هنا رجل الدنيا، هنا مهبط التقى هنا خير مظلوم، هنا خير كاتب
قفوا واقرأوا أم الكتاب وسلموا عليه، فهذا قبر الكواكبي!