لم يكد مشروع قانون "تنظيم دار الإفتاء"، الذي أوشك على مراحله الأخيرة من خلال مناقشته في الجلسة العامة، أن يمر بسلامٍ حتى فجرت الساعات القليلة الماضية عن تحرك لشيخ الأزهر الشريف فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب بصفته وشخصه مطالباً رئيس مجلس النواب الدكتور علي عبدالعال السماح له بحضور المناقشة الأخيرة للدفاع عما ارتآه عواراً دستورياً وأمانة يجب الوفاء بها، لما في المشروع من تجاوزه لصلاحيات الأزهر التي أقرها الدستور وتعدٍ على هيئاته.
حيث تنص المادة السابعة من الدستور على أن :"الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شئونه، وهو المرجع الأساسى فى العلوم الدينية والشئون الإسلامية، ويتولى مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم . وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه. وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء".
طلب الإمام الأكبر قد يكون الأول في تاريخه وتاريخ المشيخة أن يحضر مناقشة قانون بشخصه خاصة بعد أن اعتادت المشيخة على إرسال وجهة نظرها في اقتراحات ومناقشات تعدها لجنة مُشكلة يترأسها هو، لكن يبدو أن حالة الترقب التي يعيشها المصريون بصفة عامة والأزهريون بصفة خاصة قد يكون لها دلالتها ومبررها في ظل تأكيده على إنها رغبة في الدفاع عن استقلال المشيخة.
فالمشروع الذي قدمه رئيس اللجنة الدينية الدكتور أسامة العبد و60 نائباً من أعضاء البرلمان، وجد جملة من الاعتراضات التدريجية من قبل الأزهر الذي أعلنها صراحة في فبراير الماضي كونه صاحب الحق الدستوري في إبداء الرأي الخاص فيما يتعلق بالأمور الدينية وأنه يجد الأمر تعدٍ صريح على اختصاصاته واستقلاليته، تلك الحدة من الأزهر قابلها رؤية البعض أنه حق مشروع لدار الإفتاء التي قطعت شوطاً كبيراً نحو العالمية وتوجت نتيجة نشاطها بأن تكون مرجعية دينية للفتوى بالبرلمان الأوروبي عام 2015.
فلا يستطيع أحد أن ينكر على الدار في ظل قيادة الدكتور شوقي علام ومعاونة مستشاره الدكتور إبراهيم نجم وكافة العاملين بها ما يقدمونه من جهد يشهد له القاصي والداني بأنه جعل منها بحق الأنجح والأبرز في مجال ضبط الفتوى وريادة مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف منصاته، لكن تظل كواليس المشروع الذي لم تنبرِ دار الإفتاء - التي يُتحدث باسمها- للدفاع عنه يفتح باباً لتساؤولات عدة حول المستفيد من هذا الصراع غير المبرر؟!، خاصة وأنه يتدخل في صميم عمل المؤسسات الدينية وخلق أزمة لا تتطلبها المرحلة الراهنة التي دفعت الجميع إلى تصدر المشهد محلياً وعالمياً تحقيقاً للمواجهة الفكرية مع الإرهاب والتي دعا إليها الرئيس عبدالفتاح السيسي قبل 6 أعوام من خلال المطالبة بتجديد الخطاب الديني موكلاً المسؤولية للإمام الأكبر باعتباره على قمة هرم الإسلام الوسطي حول العالم، ولخص الأمر في ديسمبر من العام 2016 حينما قال للإمام:"أنا بحبك وبحترمك وبقدرك، إياكم فاكرين غير كده تبقى مصيبة، أنا بحب الإمام، وعارف دور الأزهر ومقدره كويس في مصر والعالم كله، وهو القلعة المستنيرة اللي ممكن نعتمد عليها لأنها هتحيي صحيح الدين".
إلا أنه وبرغم نفي أعضاء اللجنة الدينية ورئيس البرلمان أن يكون هناك ثمة خلافاً مع الأزهر أو أن يكون هناك صراعاً بين المشيخة ودار الإفتاء تظل مسألة حسم أمر المسودة الخاصة بالدار ونقل تبعيتها لمجلس الوزراء، أمراً تأبه هيئة كبار العلماء، وليس هناك أبلغ دليل على ذلك من إعلان الإمام الأكبر رغبته في الحضور إلى الجلسة العامة تحت شعار الدفاع عن استقلالية الأزهر.
فالأزمة التي يراها الأزهر محاولة للتقويض وسحب للبساط وانتقاص لدوره كمؤسسة عالمية هي الأقدم والأعرق وصاحبة تاريخ يربو على ألف عامٍ من الزمان، -من وجهة نظري- قد لا يسدل الستار عنها في القريب العاجل، فلربما رفض المجلس حضور الشيخ متحججاً أو متعللاً بأسبابه أولا يشكل حضوره أي تأثير في قرار الأعضاء، إلا أنه سيشكل للأزهريين مسألة بقاء أو موت، وقد يكون للمحكمة الدستورية أو الرئيس كلمة الفصل في رفضه أو قبوله، إلا أنني أدعو العقلاء في مجلس النواب أن يكون لهم موقفهم الداعم للأزهر بما لا يخل بطموح الإفتاء في أن يكون لها ما تسعى إليه دون التعارض مع الدستور أو الخروج عن عباءة المشيخة التي كان وسيظل علمائها هم أبناء منبر الوسطية الحصين.