من أكثر ما أحزنني في انفجار مرفأ بيروت، تلك الحالات الإنسانية التي تدمي القلوب أكثر مما هي حزينة على حال الأمة، وحجم الكوارث التي أحلت بهذا البلد العربي، فالقصص متعددة ولا تتوقف، وكل يوم تظهر قصة هنا وأخرى هناك، لا تقل مأساة عن سابقتها.
القصص كلها تؤكد على أهمية الدخول وبشكل عاجل في الكشف عن كارثة، بل قل جريمة في حق الشعب، وأرواح إناس راحت غدرًا، ومفقودين حتى اللحظة، وجرحى ومصابين، بينهم من فقد عينه أو عيناه، وبترت ساقه، وأخرين أصيبوا بعاهات مستديمة.
فهذا "روني" الطبيب النفسي الذي قال لقد فقدت عيناي، وفقدت كل شئء وكل ما أملك، والآن فقدت الرؤية، وخسرت كل شيء، وأخر ما رأته عينا "روني"، حسب حديثة لوكالة الأنباء الفرنسية، هو "عامود من الدخان الأبيض ثم انفجار برتقالي وسحابة من الدخان الأسود تجتاحه" ليأتي انفجار مرفأ بيروت تاركا عليه علامة لن ينساها.
المأساة التي تركها انفجار بيروت ووفقًا لم نشرته وكالات الأنباء استنادًا إلى بيانات جمعتها المستشفيات الكبرى في بيروت ومحيطها، امتدت لـ400 شخص من بين 7 آلاف، بإصابات في العين، كان لا بد من تدخل جراحي لـ50 منها، وأصيب 15 شخصًا على الأقل بعمى دائم في عين واحدة.
روني ليس الوحيد، بل العشرات، فتلك قصة شخص أخر هو "مكتّف"، الذي أصيب بندب عامودي قسم عينه اليمنى، وقال للصحافة، مشيرا إلى عينه "هذا هو تأثير الانفجار"، وساقته الأقدار إلى شرفة صديقة لحظة الإنفجار، والذي دفعته قوته بقوة ليرططم بجدار الشرفة والباب، ليصاب بجرح عامودي في منتصف العين، وبعد عملية استغرقت ساعتين لم يتمكن الأطباء من إنقاذ عينه، بل يرى الأطباء أن من الصعب جدا التدخل الجراحي مرة أخرى في العين، ليصبح "نصف أعمى".
وأتوقف عن عبارة مهمة نقلتها وسائل الإعلام عن راهبة حاولت أن تنقل مصاب في عينه إلى مستشفى لإنقاذ ما يمكن انقاذه، عندما تحركت بسيارتها وسط الدمار، حيث وصفت المشهد في تلك اللحظات، بقولها "بدت المدينة بمثابة رؤية من الجحيم".
وتتواصل المآسي في انفجار "مرفأ بيروت"، فتلك قصة أخرى تقلتها "فرانس برس"، وتخص الشاب "مارون داغر"، والذي نالته إصابة كارثية عندما كان يقف مقابل نافذة في مقر عمله كمطور برامج وبالقرب من المرفأ، ليدوي الانفجار وتدخل زجاجة بطول سنتيمترين في الجهة العليا من عينه اليسرى.
ويقول بحزن شديد "انفجار بيروت غيّر كل شيء"، بعدما خسرت قدرتي على الرؤية، وبات القيام بأبسط الأمور مهمة صعبة، حتى أن أصبّ القهوة العربية داخل الفناجين الصغيرة بات شبه معجزة من دون سكبها خارجها".
المآسى لم يسلم منها الأطفال، وتلك "سما مخول الحمد"، التي تركت بلدتها منبج في شمال سوريا، بعدما سيطر تنظيم داعش على المدينة، ولتهرب من داعش، لتقع ضحية في حادث "نترات الأمونيوم".
فلحظة وقوع الإنفجار كانت تقف قرب النافذة التي تطاير زجاجها إلى عينيها، وبسبب الإصابة، تمزّقت شبكية عينها كاملة وتتطلب عملية الترميم تدخلًا جراحيًا خارج لبنان، لا تقوى العائلة على تحمل كلفتها، لتصبح ابنة الست سنوات في مصير مجهول.
القصص تبكي وتدمي، فتلك مأساة عائلة "ريتا فرج أوغلو "، والتي دمر الحادث "الزلزال"، منزلها كاملا، والمصائب لا تأتي فُرادى، فهذا زوجها عادل مهدد بفقد ساقه، وتحت الإضطرار تنتقل للإقامة في شقة والدتها مع زوجها وأختها، وتقول "الوضع الآن صعب للغاية"، بينما جراحة زوجها تحتاج لمنقذ، فالأطباء قد يضطرون لبتر ساقه المثبتة حاليا بمسامير معدنية.
وماذا نلوم في تلك المآسي والآلام، هذا سؤال يجيب عليه، عادل "موجها لومه إلى قادة البلاد الذين يُنظر لهم باعتبارهم مقصرين في انفجار 2750 طنا من نترات الأمونيوم، وهي شحنة كانت متروكة لسنوات في المرفأ دون اتخاذ إجراءات الأمان.
ومن نكبات الكارثة، ما تحكية "ريتا" إلى تقول "لم أذق طعم النوم بعد الخبر المفجع عن ابنها وابن عمّه وزوج ابنتها، الشبان الثلاثة وهم من فوج إطفاء بيروت كانوا أول من وصلوا إلى المرفأ ولم يعودوا، إلا أنها تقول بحرقة قلب الأم، "قطعة، قطعتان.. نريد أولادنا" لدفنهم.
تلك مجرد سطور من حكايات مرفأ بيروت، والتي حتما ستحتاج كتبا لتروي ما حدث، وما يخشاه اللبنانيون أن يظل الصمت والكتمان سيد الموقف، ويأتي في النهاية حكم أو محاكمة مجرد شخص، بينما يبقى المتهمون الحقيقيون، يواصلون ارتكاب المزيد من الجرائم، كما حدث – كما يقولون- في "حكم إغتيال رفيق الحريري" مؤخرًا.