كنا أطفالا نلهو أمام البحر من الفجر حتى المساء، لكنه كان يوما مشهودا بكى فيه البحر واهل إسكندرية وكل مصر، فجأة انشقت الأرض عن بشر بلا عدد، إيه الحكاية، النحاس مات.
كانت إقامته محددة بقرار عسكرى، لكنها قرارات داست عليها أقدام كل من أحب هذا الرجل الذى أفنى عمره فى حب الوطن، وكانت جنازة لم تشهدها مصر رغم الحظر إلا مع ناصر وثومة وحليم.
رحل النحاس الباشا، وانشقت الأرض، ودون اتفاق أو إعلان أو فيسبوك، طلع أبناء مصر يودعون زعيم الأمة بلا منازع.
هو مصطفى النحاس (15 يونيو 1879 - 23 أغسطس 1965) أحد أبرز السياسيين المصريين فى القرن العشرين. تولى منصب رئيس وزراء مصر ورئيسًا لمجلس الأمة (مجلس النواب حاليًا). ساعد على تأسيس حزب الوفد وكان زعيمًا له من 1927 إلى 1952 حيث تم حل الحزب. ساهم كذلك فى تأسيس جامعة الدول العربية.
لعِب النحاس دورًا مهما خلال انتفاضة 1919، وأصبح سكرتيرًا عامًا للوفد فى القاهرة.
ترأس النحاس باشا حزب الوفد عقب وفاة سعد زغلول وبموافقة غالبية الأعضاء، وكان سكرتير الوفد هو صديقه وشريكه مكرم عبيد.
رفض زيادة مخصصات الملك لزواج ابنته. وقال احنا نحافظ على أموال الشعب.
وبعد يوليو 1952 سـُجن هو زوجته، زينب الوكيل، من 1953م إلى 1954م ثم تقاعد من الحياة العامة.
يوما ما، استدعى الملك فاروق قادة الأحزاب السياسة فى محاولة لتشكيل وزارة قومية أو ائتلافية. كانوا جميعا -عدا الزعيم مصطفى النحاس- مؤيدين فكرة الوزارة الائتلافية برئاسة الزعيم مصطفى النحاس؛ فهى تحول دون انفراد الوفد بالحكم ولهم أغلبية بالبرلمان. فى يوم 3 فبراير 1942 رفض الزعيم مصطفى النحاس تأليف وزارة ائتلافية.
فى اليوم التالى الموافق 4 فبراير 1942م تقدم السفير البريطانى بإنذار جديد، إلا أن الزعيم مصطفى النحاس رفض الإنذار هو وجميع الحاضرين من الزعماء السياسيين أثناء الاجتماع الذى دعا إليه الملك بعد تلقى الإنذار.
فى مساء اليوم حاصرت القوات البريطانية قصر عابدين واجتمع قائدها جنرال ستون بالملك الذى قبل الإنذار ودعا لاجتماع القادة السياسيين وأعلن أنه كلف النحاس بتأليف الوزارة ورفض النحاس وظل الملك يلح عليه مناشدا وطنيته أن ينقذ العرش ويؤلف الوزارة ولم يكن هناك مفر من أن يقبل النحاس تشكيل الوزارة مسجلا ذلك للتاريخ فى خطاب قبوله تأليف الوزارة حديث الملك: «وبعد أن ألححت على المرة تلو المرة والكرة بعد الكرة أن أتولى الحكم وناشدتنى بوطنيتى واستحلفتنى بحبى لبلادى من أجل هذا أنا أقبل الحكم إنقاذا للموقف منك أنت».
فى يوم 8 من أكتوبر عام 1951 وقف الرئيس مصطفى النحاس على منصة مجلس النواب، وقد احتشدت القاعة بالنواب والشيوخ الذين حضروا ليستمعوا للبيان الذى سيلقيه رئيس الحكومة. حيث تحدث النحاس شارحًا تفاصيل المفاوضات التى أجرتها حكومته مع الجانب البريطانى لتحقيق الجلاء عن مصر وتوحيد شطرى الوادى (مصر والسودان) تحت التاج الملكي، إلى أن قال «حضرات الشيوخ والنواب المحترمين: لقد انقضى وقت الكلام وجاء وقت العمل، العمل الدائب المنتج الذى لا يعرف ضجيجًا أو صخبًا، بل يقوم على التدبير والتنظيم وتوحيد الصفوف لمواجهة جميع الاحتمالات وتذليل كل العقبات، وإقامة الدليل على أن شعب مصر والسودان ليس هو الشعب الذى يٌكره على ما لا يرضاه أو يسكت عن حقه فى الحياة. أما الخطوات العملية التالية فستقفون على كل خطوة منها فى حينها القريب، وإنى لعلى يقين من أن هذه الأمة الخالدة ستعرف كيف ترتفع إلى مستوى الموقف الخطير الذى تواجهه متذرعة له بالصبر والإيمان والكفاح وبذل أكرم التضحيات فى سبيل مطلبها الأسمى. يا حضرات الشيوخ والنواب المحترمين: من أجل مصر وقعت معاهدة سنة 1936 ومن أجل مصر أطالبكم اليوم بإلغائها..»
وقد زلزل إلغاء المعاهدة كيان بريطانيا؛ فقد اجتمع فى اليوم التالى هربرت موريسون وزير خارجية بريطانيا بكل مستشارى الوزارة وحضر الاجتماع بريان روبرتسون قائد القوات البرية فى الشرق الأوسط وأصدر الوزير بيانًا يحتج فيه على إلغاء المعاهدة.
وأعلن الجنرال روبرتسون أنه سيطير إلى القاعدة البريطانية فى القنال (قناة السويس). وفى مصر طلب السفير البريطانى من القادة البريطانيين لجيش الاحتلال الاجتماع به فى نفس اليوم فى الإسكندرية واستمر الاجتماع حتى منتصف الليل.
ألغت الحكومة البريطانية الإجازات لجميع قوات جيش الاحتلال. وفى الخرطوم طافت دبابات الجيش البريطانى فى الشوارع لإرهاب السودانيين فقابلوها بالهتافات بسقوط الاحتلال. وتعتبر هذه هى الانتفاضة المصرية الثانية بعد ثورة 1919.
توفى فى منزله بجاردن سيتى 23 أغسطس 1965م وشيعت جنازته من مسجد الحسين بالقاهرة، لكن هدير بحر إسكندرية ما زال فى سمعى ووجدانى.
مصطفى النحاس باشا، ألف تحية.