ربط كثير من الباحثين دراسات الهوية فى العالم العربى بالأوضاع السياسية الملتبسة التى يمر بها، وما يشهده من حروبٍ ونزاعات وأحداث إرهابية وطائفية ومذهبية وعِرقية أفضت إلى انحصار الهوية الدينية وتكوين صورة سلبية عن الدين الإسلامي، واتسمت هذه الأحداث بشدتها وسرعة وتيرتها، فضلًا عن عوامل تراكمية أخرى تمثلت فى ممارسات القوى الاستعمارية ومحاولاتها طمس ملامح الثقافة العربية الإسلامية، وضبابية الرؤية وفقدان الثقة فى أنظمة الحكم غير الديمقراطية فى العالم العربى وسيطرتها على توجيه وسائل الإعلام، وما أفرزه مناخ التضيق على الحريات السياسية من صعود جماعات دينية راديكالية، علاوة على عن مسلسل الحروب الغربية التى شُنت على الدول العربية باسم الحرب على الإرهاب، وتنامى خطاب الإسلاموفوبيا، بعد نشر تقرير «رونيميد ترست» Runnymede Trust المعنون «الإسلاموفوبيا: تحدٍ لنا جميعًا» فى العام 1997.
وقد زادت حدة خطاب الإسلاموفوبيا فى أعقاب أحداث هجمات الحادى عشر من سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى تجليات العولمة الإعلامية وتكنولوجيا الاتصال والمعلومات ووسائل الإعلام الاجتماعى التى أتاحت للفرد العادى إنتاج المحتوى User-Generated Content، وأن يحتل مكانة القائم بالاتصال (المنتج للمحتوى) بالمؤسسات المهنية الرسمية، الأمر الذى أفرز محتوى دينيا لعب دورًا محوريًا فى تشكيل هويات دينية افتراضية متناقضة وغير متناسقة، ويتفق ذلك مع طرح الباحث الألمانى الأشهر «مانويل كاسلز» Manuel Castles أنه لا توجد هوية جوهرية غير قابلة للتغيير، ولا توجد هوية تقدمية أو غير تقدمية، فتحديد ذلك يخضع للسياق التاريخى ومصالح الأفراد الذين تتشكّل لديهم هذه الهوية وينتسبون لها.
لقد أصبح الإسلام عنصرًا رئيسيًا فى الخطاب السياسى والإعلامي، ويرجع ذلك إلى المشكلات المتعلقة بالإرهاب فى الألفية الجديدة، وأدى تطور شبكة الإنترنت إلى إضفاء الطابع الديمقراطى على المعرفة الإسلامية، ودفع نمو الإسلام عبر الإنترنت الأئمة التقليديين إلى تسويق أنفسهم كأئمة لشبكة الإنترنت، وتثير قضية الهوية الدينية أسئلةً شائكة، كونها من أكثر القضايا إثارة للجدل والنقاش بين مختلف الباحثين. ويتسق ذلك مع ما أشار إليه بعض الدراسات من أن الخطاب الإعلامى الغربى أثار عديدًا من الأسئلة حول هوية المسلمين الدينية بالنظر إليهم على أنهم «الآخر» فى المجتمعات الليبرالية، بالإضافة إلى مسألة الاندماج الإسلامى فى المجتمعات غير المسلمة.
كما تطرح الهوية الإسلامية القائمة على التأويل والتفسير عبر الإنترنت أسئلةً مهمة عند إخضاعها للدراسة على المنصات الإلكترونية، وهنا تأتى أهمية دور الصحف الإلكترونية من منطلق أهدافها المجتمعية، وسعيها إلى مواجهة احتياجات المجتمع، بالاعتماد على الأسلوب العلمى فى مواجهة الفكر الدينى المتطرف؛ حيث توسعت الصحف الإلكترونية فى نشر المحتوى الدينى تلبيةً لاحتياجات الجماهير التى تطلب إجابات إما تتعلق بالفتاوى وحكم الدين فى مختلف شئون الحياة. كما يُعد من أحد دوافع الدراسة اهتمام المؤسسات الإعلامية ومنظمات العمل المدنى فى الدول الغربية بأهمية محو الأمية الرقمية Digital Literacy وأمية التعامل مع شبكات التواصل الاجتماعى Social Media Literacy، لتحصين أفراد المجتمع من المحتوى الدينى المتطرف الذى تنتجه الجماعات والمنظمات الإرهابية. وهنا، يتعاظم دور الصحف الإلكترونية فى هذا الشأن كوسيط تفاعلي، بيد أنها تتميز بمؤسسية ومهنية وحضور إلكترونى Online Presence كبير لدى أفراد المجتمع خاصةً الشباب.
فى هذا السياق، قام د. محمد جاد المولى حافظ عويس، الأستاذ المساعد بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة بنها بإعداد دراسةٍ مهمة بعنوان «خطاب الهوية الدينية للصحف الإلكترونية المصرية فى إطار الحرب على الإرهاب: دراسة كيفية»؛ حيث يزداد التركيز على معالجة الإعلام للهوية الدينية وقت الأزمات التى تهدد وجود المجتمعات، من منطلق ما يمثله الدين من مرجعية للمجتمع يلتجأ إليه أفراده فى حل أزماتهم ومشكلاتهم. وفى سياق النقص الواضح فى البحوث المقارنة التى تتناول الدين فى وسائل الإعلام الإلكترونية خاصةً فى العالم العربى تأتى أهمية هذا البحث فى وضعية خطاب الهوية الدينية على مواقع الصحف الإلكترونية المصرية فى ظل تعاظم دور الصحافة فى النشر والتأثير فى الرأى العام، وتحريك سؤال الهوية وطرح قيم المواطنة وقبول الآخر.
ونحاول فى هذه السلسلة من المقالات تسليط الضوء على هذه الدراسة، فى ضوء العلاقة الجدلية بين أزمة الهوية الدينية للصحافة المصرية ومعالجتها قضايا الحرب على الإرهاب.