نم أيها البطل... متسلحًا بسكينة وأمن المؤمنين
الأمة كلها تلقت خبر غياب المستشار محمد عبد العزيز الجندي وكيل النائب العام ووزير العدل، فقد وقف مدافعًا عن الحريات وحقوق المرأة والطفل وأصبح من رجال مصر بساحة التخصص في مجالات الطفولة وبناء دور الإيواء، وقد استقر رأيه مع مؤسسة محمد كامل بك بدوي على إنشاء دار حضانة ولم يتورع أن ينزل إلى مكتب مديرها العام ليدير هذه المنشأة التى تساهم في صناعة البشر.
المستشار الجندي هو واحد من طلائع أوائل كلية الحقوق التي تم تأسيسها في الإسكندرية ومن دفعته نجم الإذاعة الأستاذ الكبير فهمي عمر صاحب الدور الوطني لفتح ميكروفون الإذاعة هذه الآلة العجيبة وقتها لكي تحرك ألاتها وتذيع على الشعب البيان الأول لثورة يوليو، وهي قصة ستظل خالدة في وجدان أجيال متعاقبة، انتقل إلى ساحة النيابة العامة وتعامل في أسرارها من خلال فكر الرجل العملاق النائب العام الأسبق حافظ بك سابق الذى تتلمذ على يديه ومعه زميل المرحلة المستشار محمد صفوت القاضي، وقد قام بتحقيق أول قضية تسرب إمتحانات الإعدادية في عهد محافظ الإسكندرية حمدي عاشور ووقف في موقف الشجاعة التي تتطلبها هذه القضية.
ظل الجندي يحتفظ بثقة المجتمع القضائي وثقة القضاء وثقة المنصة الغالية ولم يرتعش أمام موقف أو حاكم من الحكام لكنه لم يقف إلا وقوفًا وإحترامًا لعلم مصر وشرف مصر والقسم بأن يرعى الحدود، ويحتفظ بمقامه الرفيع والتواضع والأدب وان يحنو على البسطاء ولم يفرق بين الأديان أو العبادات ويقوم في خطه الفكرى على الاستقامة والأمانة.
أذكر أن المستشار عبد العزيز الجندي قد تلقى خبر وفاة الأستاذ الصحفي راغب عبدالملك مدير مكتب أخبار اليوم أثناء تأدية واجبه وهو جالس على مكتبه وانتقلت الاسكندرية كلها إلى المؤسسة وكان على اتصال دائم معهم الأستاذ محمد حسنين هيكل والأستاذ موسى صبري والأستاذ جلال الدين الحمامصي يتابعون الموقف بعد رحيل الفقيد الكريم الذى تعرض لأزمة قلبية وجاء الى المكتب وقتها المحافظ حمدي عاشور والأستاذ الليثي عبد الناصر أمين الاتحاد الاشتراكي واللواء ممدوح سالم مدير مباحث أمن الدولة الذى أصبح رئيس وزراء فيما بعد وظلت هناك مشكلة معلقة بضرورة نقل جثمان الفقيد من الاسكندرية إلى القاهرة حيث تقيم أسرته واستعان الجميع برجل القضاء المستشار الجندى لكي يحضر الطبيب الشرعي ويصرح بتحرك الجثمان في عربة الإسعاف وتم ذلك وكان في استقبال الجثمان لدى وصوله الأستاذ محمد حسنين هيكل والأستاذ موسى صبري والأستاذ جلال الدين الحمامصي ولم تكن هذة الفكرة معروفة في الوسط القضائي إلا أن الذى استحدثها كمبدأ قانوني المستشار عبد العزيز الجندي.
وأتذكر أيضًا في عام ١٩٦٥ إن محافظ الإسكندرية قام بالإتصال بي الساعة السابعة صباحًا في مكتب الأخبار وطلب إلى أن أتوجه فورًا إلى لوران حيث يقيم رجل السياسة المصرية مصطفى النحاس باشا، وتوجهت مع المصور ولم أكن أعرف ما هو الموضوع لكن حمدي عاشور وقف على الباب وتصدى لأحمد سالم المصور ومنعه من التصوير، وأدركت أن هناك حدثًا جليلًا وهو رحيل زعيم الأمة، واصطحبني المحافظ إلى غرفة نوم الباشا ووجدت نفسي أنهار واجرى على الجثمان مقبلاً رأسه وكنت أول من عرف هذا الخبر على المستوى المحلى لأن كان هناك تعتيم على الخبر وتصادف يوم الوفاة وكان الرئيس جمال عبد الناصر في السعودية، وكانت المشكلة إنتقال عربة الباشا إلى الطريق الزراعي وخشي أن تحيط به الجماهير وتحدث هوجة غير مسبوقة العواقب، فقامت شرطة الإسكندرية بدور بطولي بقيادة اللواء ممدوح سالم في تأمين النعش وأصدر المستشار محمد الجندي قرارًا بأن يتم فرض الحصانة على الموكب.
كان لمواقف المستشار عبد العزيز الجندي أبن محافظة الغربية من القوة ما يحسم أي خروج على النظام العام، رحم الله النحاس باشا ورحمك أنت سيادة المستشار في جنة الخلد حيث تنعم بأمجادك القضائية التى ترضى العدالة والضمير.