حجرٌ أُلقي في مياه قضية السلام الراكدة منذ تهاوت أشجار العرب في أحداث الخريف العربى الذى طال لأكثر من عقد زمنى، وخطوة صحيحة على طريق فهم الواقع وإقراره بعيدًا عن الشعارات الرنانة التى ماقتلت ذبابة، هكذا أرى الاتفاقية التاريخية التى وقعتها دولة الإمارات العربية الشقيقة مع إسرائيل برعاية الولايات المتحدة والتى انقسم أهل الأرض حولها بمجرد الإعلان عنها، فهذا يراها خطوة لإقرار السلام في المنطقة وذاك يراها خيانة للقضية الفلسطينية ويردد نفس الشعارات والكلمات التى قيلت عندما زار الرئيس الراحل أنور السادات إسرائيل لأول مرة في نوفمبر 1977، تلك الزيارة التاريخية التى غيرت التاريخ والجغرافيا في المنطقة العربية، وأدت إلى توقيع مصر على معاهدة كامب ديفيد في سبتمبر 1978 ثم معاهدة السلام في مارس 1979 وبمقتضى هذه المعاهدة الأخيرة استردت مصر سيناء كاملة في أبريل 1982، ولكن قبل أن تذهب مصر للتفاوض الفردى مع إسرائيل دعت العرب جميعًا إلى مؤتمر في فندق ميناهاوس المطل على أهرامات مصر الخالدة، وذلك للتشاور والدخول في مفاوضات مباشرة لحل المشكلة الفلسطينية في إطار مبادرة السلام المصرية والتى لم تكن قد خرجت وقتها عن مطالبة إسرائيل تنفيذ قرارات مجلس الأمن لاسيما القرار 242 الصادر بعد هزيمة 67 والذى وافق عليه العرب، ووافقت عليه إسرائيل ولكنهم اختلفوا على تفسيره، وبالمناسبة فإن الموافقة على هذا القرار كان في حد ذاته اعترافًا من العرب بوجود إسرائيل، واعترافًا بأن حدودها تقف عند ما احتلته من أراضى قبل 4 يونيو 1967، ولكن العرب خذلوا السادات ولم يأتوا إلى "ميناهاوس" وقاطعوا مصر، وهاجموها في وسائل إعلامهم واعتبروا السادات خائنًا وعميلًا، ونقلوا جامعة الدول العربية من مقرها الدائم في القاهرة إلى تونس وتوحدوا ضد مصر في كافة المحافل الدولية وباتت مصر عدوتهم الأولى، وساعدت بعض هذه الدول في تمويل عمليات اغتيال دعاة السلام من المسئولين المصريين كالأديب الكبير ووزير الثقافة الأسبق يوسف السباعى والذى اغتيل في فبراير 78 أثناء تواجده في جزيرة قبرص لحضور مؤتمر التضامن الأفروآسيوى وتبين فيما بعد أن القاتلين ينتميان إلى منظمة أبى جهاد الفلسطينية وقد قاما بعد اغتيال السباعى باحتجاز مجموعة كبيرة من الرهائن وأجبرا السلطة القبرصية على تجهيز طائرة تقلهما إلى بلد غير معلوم ولكن السادات أصر على إرسال وحدة من الكومندز المصرية واقتحام المكان وتحرير الرهائن في عملية عسكرية على أرض قبرص، وهكذا ظل العرب يرفضون الصلح مع إسرائيل، رغم أن بعضهم كان يقيم علاقات سرية معها، بل إن دولة شقيقة هى من قامت بتنسيق زيارة السادات الأولى إلى القدس، ورغم أنهم وافقوا كما ذكرنا على قرار 242 والذى يحمل اعترافًا صريحًا بدولة إسرائيل ووافقوا أيضًا مع الرئيس عبدالناصر على مبادرة روجرز في أغسطس 70، تلك المبادرة التى كانت تقوم على وقف العمليات العسكرية بين مصر وإسرائيل والدخول في مفاوضات لانسحاب إسرائيل من الأراضى التى احتلتها في 67، وبينما حصلت مصر على أرضها كاملة بعد معاهدة السلام لم تحصل دولة عربية أخرى على شبر واحد من أرضها ولم نسمع عن دولة عربية قد دخلت الحرب ضد إسرائيل بعد 73، وبعد سنوات طويلة أفاق العرب من الأوهام التى يعيشونها وذهبوا إلى مدريد في 1990 ليبدأوا من جديد، ثم ذهب ياسر عرفات إلى أوسلو فانتهى به الأمر بالعودة إلى غزة واعتراف إسرائيل لأول مرة بالسلطة الفلسطينية، وهكذا فإن المكاسب لن تأتى بحرب الشعارات والكلمات الجوفاء ولكنها تأتى دائمًا بالتفاوض وإقرار السلام، وقد أقر العرب جميعًا في قمة بيروت 2002 مبادرة المملكة العربية السعودية بشأن تطبيع العلاقات الإسرائيلية العربية، ولهذا فمن العجيب حقًا أن نستمع لأصوات تعارض اتفاقية السلام الإماراتية الإسرائيلية، فمعظم الدول العربية تحتفظ الآن بعلاقات طبيعية مع إسرائيل وبعضها وقع على اتفاقيات اقتصادية وسياسية معها، والسؤال: أما آن لنا أن نتحلى بالحكمة لندرك الحقيقة؟ أليسوا أصحاب المصالح هم فقط الذين لا يريدون حلًا للقضية الفلسطينية؟ هب أن إسرائيل قد وافقت على إقامة دولة للفلسطينيين عاصمتها القدس الشرقية، أتظن أن حماس وغيرها ستوافق بحل الميليشيات وتسليم الأسلحة إلى السلطة الفلسطينية؟ ألن يفقد البعض وظائفهم التى تدر عليهم ملايين الدولارات والتى يأخذونها كتبرعات لصالح القضية؟ أما آن للعقلاء أن يكشفوا تجار القضية؟
آراء حرة
إتفاقية السلام الإماراتية
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق