السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المجتمعات العمرانية الجديدة وتحسين جودة الحياة في مصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
المجتمعات العمرانية الجديدة وتحسين جودة الحياة في مصر
فكرة إنشاء المدن العمرانية الجديدة بدأت مع مخطط القاهرة الكبرى عام 1968
38 مدينة جديدة إنشات في مصر على أربعة أجيال منذ عام 1977
العاصمة الإدارية الجديدة أنشأت على مسطح 170 ألف فدان وتستوعب نحو 6615988 نسمة حتى عام 2050
أ.د الهلالى الشربينى الهلالى *
*وزير التربية والتعليم والتعليم الفني السابق.
يمثل إنشاء وتطوير المجتمعات العمرانية أساسًا لمعالجة معظم مشكلات المجتمعات الإنسانية وتحسين جودة الحياة بها، ولكن يظل قياس أثر هذا التطوير ومدى انعكاساته على جودة حياة الناس من الأمور الصعبة، نظرًا لصعوبة تحديد المدخلات وعدم الاتفاق على المؤشرات التي يمكن الاعتماد عليها في عملية القياس. ويعد مـدخل تحسين جـودة الحياة من المداخل التي تتناول المشهد في مجتمع ما بصورة شمولية بهدف رصد وتحديد الحالة الاجتماعية، والنفسية، والاقتصادية، والعمرانية، والثقافية والصحية للناس في ذلك المجتمع، وتحديد التغيير الذى حدث أو بدأ يحدث فيه، ويحظى هذا المدخل باهتمام عـالمى متزايـد نظرًا لقدرته على الإجابة عن عدة أسئلة ؛ منها: أين كنا؟ وأين نحن الآن؟ وإلى أين نريد أن نصل؟
وتعود فكرة جودة الحياة إلى المناقشات التاريخية عند أرسطو وسقراط حول طبيعة جودة الحياة ومواصفاتها، إلا أن الفكرة تطورت مع تطور وسائل القياس الاقتصادية خلال القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر والقرن العشرين، ولا يوجد إجماع على مفهوم واحد لجودة الحياة، حيث إنها تعرف على أنها الدرجة التي يستمتع بها الإنسان في حياته، وعلى أنها نتاج للتفاعل بين الحالة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية التي تـؤثر علـي الإنـسان، وعلى أنها مقدار سعادة الناس ورضاهم عن البيئة الخارجية، وعلى أنها الرفاهية التي يشعر بها الناس نتيجة لأداء المجتمع ككل. ويتضمن هذا المفهوم بصفة عامة معايير كمية وأخرى نوعية على مستوى الفرد وعلى مستوى المجتمع ؛ ومن بين المعايير الكمية علـى مـستوى الفرد قياس الحالة التعليمية، والمهارات، وعلى مستوى المجتمع قياس الحالة البيئية، والاقتصادية، أما المعـايير النوعية فمن بينها على مستوى الفرد الرضا عن الحياة، والإحساس بالسعادة، وعلـى مـستوى المجتمـع القدرة على المشاركة والتأثير، ومقدار الترابط بين الفرد وبين المجتمع. 
وتشمل المجالات التي ترتبط بجودة الحياة، الإسكان، والصحة، والتعليم، والتوظيف، والاقتصاد، والأمن، والبيئة العمرانية، وتماسك المجتمع، وقيم الديموقراطية، وتتضمن هذه المجالات مؤشرات كثيرة لجودة الحياة، من بينها: مستوى الصحة العامة، ومعدل التلوث، وقدرة الإنسان على ممارسة الأنشطة وتنفيذ وظائفه اليومية، والرضا عن الدخل وأساسيات الحياة، وجودة السكن في المناطق الحضرية والريفية، القدرة على مواجهة الفقر وعدم المساواة والتهميش الاجتماعي، والقدرة على السفر وتحقيق الرفاهية.
وحيث إن 95% من سكان مصر يتمركزون على مساحة 5 % إلى 6% فقط من المساحة الكلية للدولة - وتحديدًا في الدلتا والشريط الموازى لنهر النيل - بكثافة سكانية تعد من أعلى الكثافات السكانية في العالم، وحيث إن الزحف العمراني على الأراضي الزراعية صار يهدد الرقعة الزراعية ويمثل الظاهرة السلبية الغالبة في مصر، فقد ركزت السياسات الحضرية للحكومات المصرية منذ سبعينيات القرن الماضى على إيقاف زحف العشوائيات على الأرض الزراعية، وتوجيه النمو الحضري نحو المجتمعات العمرانية الجديدة في المنطق الصحراوية، وتحسين مستوى المعيشة في المناطق الحضرية الفقيرة التى لا تتمتع بالخدمات الأساسية. والسؤال الذى يطرح نفسه هنا: كيف تمكنت الدولة المصرية من إنشاء مجتمعات عمرانية جديدة وتنميتها وتوظيفها لإعادة التوازن للعلاقة بين السكان والموارد الاقتصادية على المستويين القومى والإقليمي، ومن ثم تحقيق جودة الحياة، وبصفة خاصة في الخمس سنوات الأخيرة؟
الواقع أن فكره إنشاء المدن العمرانية الجديدة في مصر بدأت مع مخطط القاهرة الكبرى في عام 1968، ثم إعادة إحيائه في عام 1975 بالتخطيط لمدينة العاشر من رمضان، ومدينة السادات، ثم التخطيط لمدينة برج العرب الجديدة كامتداد لمدينة الإسكندرية، ومدينة 15 مايو كامتداد لمدينة القاهرة في عام 1977، ثم صدر القرار الجمهوري رقم 275 لسنة 1978 في شأن تنظيم وزارة التعمير والمجتمعات العمرانية الجديدة كجهة مسئولة عن إنشاء المدن الجديدة بما يتفق وأهداف خطة التنمية الاجتماعية والاقتصادية للدولة المصرية، وفى عام 1979 بدأ التخطيط لمدينتى 6 أكتوبر والعبور، كما صدر في نفس العام القانون رقم 59 في شأن إنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة ؛ حيث تم بمقتضاه تأسيس هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وتحديد اختصاصاتها في بحث واقتراح ورسم وتنفيذ ومتابعة خطط وسياسة وبرامج إنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة وإدارتها وتشغيلها وتنميتها طبقًا لخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة في محاولة لإعادة التوازن للعلاقة بين السكان والموارد الاقتصادية على المستويين القومى والإقليمي، ومن ثم تحقيق جودة الحياة بالمفهوم الشامل.
وتتوزع المدن العمرانية الجديدة التي تم إنشاؤها في مصر خلال العقود الأربعة الماضية بين أربعة أجيال، تضم مدن الجيل الأول التي تم إنشاؤها في الفترة من 1977 حتى 1982 ثمانى مدن هى العاشر من رمضان، والسادات، و6 أكتوبر، وبرج العرب، و15 مايو، ودمياط، والصالحية، والقرى السياحية، وتضم مدن الجيل الثانى التي تم إنشاؤها في الفترة من 1982 حتى 2000 تسع مدن، هى: النوبارية، والعبور، وبدر، والشروق، والقاهرة الجديدة، وبنى سويف الجديدة، والمنيا الجديدة، والشيخ زايد، وخليج السويس، وتضم مدن الجيل الثالث التي تم إنشاؤها في الفترة من عام 2000 حتى 2013 سبع مدن، هى: الفيوم الجديدة، وأسيوط الجديدة، وأخميم الجديدة، وسوهاج الجديدة، وقنا الجديدة، وطيبة الجديدة، وأسوان الجديدة، وتضم مدن الجيل الرابع الجارى العمل فيها منذ عام 2014 أكثر من أربع عشرة مدينة، منها: توشكي، والعلمين الجديدة، وشرق بورسعيد، وغرب قنا، وهضبة أسيوط، ومدينه ناصر، والمنصورة الجديدة، وامتداد مدينه الشيخ زايد، وكذا توسعات مدينه 6 أكتوبر بمساحه نحو 70 الف فدان، والعاصمة الإدارية الجديدة، ورفح الجديدة، وبئر العبد الجديدة، والإسماعيلية الجديدة، ومدينة الملك سلمان بجنوب سيناء، ومدينة الجلالة العالمية أعلى هضبة الجلالة التى تقع بين العين السخنة والزعفرانة على ارتفاع 700 متر من سطح البحر بمساحة 17 ألف فدان.
وحيث إن مدينة القاهرة كانت وما زالت تمثل العاصمة الإدارية لمصر منذ أكثر من ألف سنة، قامت خلالها بأدوارها ووظائفها السياسية والثقافية والسياحية والترفيهية والخدمية على المستوى الإقليمي والدولى على أكمل وجه، إلا أن تمركز العديد من دواوين الوزارات والسفارات والمنشآت الحكومية من جامعات وبنوك وشركات وطنية وأجنبية وغيرها بها أدى إلى نزوح عدد كبير من سكان الأقاليم إليها بحثًا عن فرص عمل، كما صار يتردد عليها عدد هائل آخر منهم بشكل يومي لأداء مصالحهم، الأمر الذى أفرز كثيرّا من أزمات التكدس المرورى والسكانى وغيرها حتى وصلت إلى وضع لا يحتمل التأجيل ويقتضى سرعة اتخاذ قرارات حاسمة لتقليل كثافة الحركة الموجودة بداخلها والقادمة إليها، ومن ثم كان القرار بإنشاء عاصمة إدارية جديدة بالقرب من القاهرة تجتذب الأنشطة الحكومية والمركزية خارج نطاق مدينة القاهرة وتوفر فرصًا استثمارية جديدة بالقرب منها وتتكامل مع المشروعات التنموية الكبرى التي تنفذ في إطار محور قناة السويس، الأمر الذى يترتب عليه إمكانية تقديم الخدمات بشكل أكثر سهولة ويسرًا من خلال المدينة الجديدة، ومن ثم تلبية متطلبات خطة التنمية الاجتماعية والاقتصادية للدولة وتحقيق جودة الحياة في المدينتين القديمة والجديدة.
وقد استقر الرأي على إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة على مسطح 170 ألف فدان في قطاع شرق القاهرة بحيث تستوعب نحو 6615988 نسمة حتى عام 2050 بكثافة عامة نحو 39 فرد / الفدان، تنفذ من خلال خمس مراحل تنموية، ويتوسطها حديقة تمتد على طول 35كم تبدأ بحديقة المصريين المركزية بمسطح 2000 فدان تمثل حلقة وصل بين منطقة القاهرة الجديدة ناحية الغرب والمدينة الجديدة ناحية الشرق، وتمتد على طول الشريان الرئيسي لتتشعب بعد الطريق الدائري الإقليمي إلى عدد 12 واديا تعكس طبيعة الاستخدامات والأنشطة وشخصية كل منها ؛ فهناك على سبيل المثال وادى الحكم المخصص لنقل الوزارات المختلفة والهيئات الحكومية ومبنى مجلس النواب ومجلس الوزراء وعدد من المباني الإدارية تضم النقابات المعتمدة والهيئات الرسمية بالدولة، ووادي المعرفة ويضم عددًا من الجامعات والمراكز البحثية التى تسعى لتحقيق العالمية في جودة التعليم والبحث العلمى، ووادي الرحمة ويضم مستشفيات ومراكز علاجية متميزة، والوادي الأخضر ويؤسس لمبدأ الاستدامة البيئية من خلال التحكم في البصمة الكربونية ليكون الهدف هو الوصول إلى صفرية الانبعاث الكربوني مع تقديم حلول مبتكرة وجريئة لمواجهة مشكلة المياه والطاقة.
ويتميز موقع المدينة بمركزية بين العاصمة الحالية وإقليم قناة السويس بما يحتويه من خطة تنمية مستقبلية، كما أنه يرتبط بشكل متميز بشبكة الطرق الاقليمية والتجمعات العمرانية القائمة، منها: طريق القاهر – السويس، وطريق القاهرة – العين السخنة، والطريق الإقليمي، ومطار القاهرة، وميناء السخنة، بالإضافة إلى ارتباطه القوى بشبكة خطوط المترو والسكة الحديدية، وقد قارب العمل على الانتهاء من المرحلة الأولى للمدينة بمسطح 40 ألف فدان تستوعب حوالى534345 نسمة، وتضم المنطقة الحكومية، ومركزًا للمال والأعمال، والحى الدبلوماسي، والخدمات الإقليمية، والمنطقة الصناعية التكنولوجية، ومناطق سكنية ومجموعة الخدمات الرئيسية بالإضافة إلى المناطق الخضراء والمفتوحة. وبذلك ستكون المدينة نموذجًا يحتذى في تحقيق جودة الحياة بكل أبعادها وجوانبها من خلال المجتمعات العمرانية الجديدة... حفظ الله مصر بجيشها وأمنها وقائدها وشعبها العظيم.