تظل الثانوية العامة هي أكثر سنوات مراحل التعليم.. إثارة وأهمية عند الأسر المصرية.. فهي التي تحدد وجهة ومستقبل أبنائهم.. سواء بإرادتهم.. أو حسب ما حصلوا عليه من درجات في المواد الدراسية.. ولذلك اعتادت الأسر التي لها أبناء في هذه السنة الدراسية.. على إعلان حالة الطوارئ قبلها بعدة أشهر.. والحجز لدى المدرسين الخصوصيين.. وتهيئة الأجواء للطالب ليتمكن من المذاكرة والتحصيل.
وقد أجريت امتحانات الثانوية العامة هذا العام.. في ظروف إستثنائية بسبب وباء كورونا.. ونجحت الدولة في إجراء هذه الإمتحانات.. التي أداها 601 ألف و280 طالبا.. نجح منهم 460 ألف و322 طالب.. رغم الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد والعالم أجمع.. ولكن اللافت للنظر في هذه الإمتحانات.. أن عددا كبيرا من الطلاب حصلوا على نسبة أكثر من 90 % من مجموع الدرجات.. ولا أدرى أين سيذهب هؤلاء ؟ وهل سيؤدي ذلك إلى ارتفاع درجات تنسيق الكليات ؟.
الثانوية العامة سنويا.. يتقدم لها أكثر من نصف مليون طالب وطالبة.. ينجح نحو ثلثي عدد المتقدمين للإمتحان.. يتم توزيعهم على كليات ومعاهد الجامعات الحكومية والخاصة.. دون ربط أعداد المقبولين بسوق العمل والتوظيف المتاح.. وبعد تخرجهم يصدمون بعدم وجود فرص عمل تتناسب مع تخصصاتهم.. فيجلسون على المقاهي أو ينحرفون أو يفكرون في الهجرة إلى الشمال الغني.
ظلت نظم التعليم في مصر شبه ثابتة حتى منتصف ثمانينات القرن الماضي.. بعدها بدأت عملية التجريب العشوائي.. التي أدت إلى فشل منظومة التعليم.. وضعف المستوى العلمي والثقافي والتربوي لدى الطلاب.. رغم ارتفاع نسب النجاح التي يحصلون عليها.. مما جعل هذه العملية تخريبا وليس تجريبا.
نحن نحتاج إلى تغيير ثقافة التعليم لدى الاسر المصرية.. وليس التجريب في نظم ومناهج التعليم.. فالأسر المصرية قديما كانت لا تتدخل في توجيه أبنائها إلى نوع معين من التعليم.. وتتركهم حسب قدراتهم وميولهم.. أما الآن.. فتحرص الأسر على إلحاق أبنائها بعد حصولهم على الإعدادية.. بالثانوية العامة.. أو حتى بالثانوية الخاصة إذا لم يحصلوا على المجموع الذي يؤهلهم للالتحاق بالثانوية العامة.. ويبعدون كل البعد عن التعليم الفني.. الذي هو بدوره يحتاج إلى إصلاح وتنظيم.. وفي الثانوية يحرصون على حصول أبنائهم على مجاميع مرتفعة تتخطى نسبة التسعين في المائة.. ليلتحقون بالكليات التي يطلق عليها كليات القمة.
وبعد التخرج تنقلب فرحة أولياء الأمور بتفوق أبنائهم في الثانوية العامة.. إلى كابوس عدم وجود فرصة عمل.. فخريج الاقتصاد والعلوم السياسية.. أعلى قمة الكليات الأدبية.. يظل طوال فترة الدراسة.. يحلم بالالتحاق بالسلك الدبلوماسي.. ثم يصطدم بعد التخرج بضآلة وانعدام فرصته.. وسط مزاحمة كل التخصصات الاخ٦رى له في الفرص القليلة المتاحة سنويا.. أما من يلتحق بكلية الإعلام إحدى كليات القمة.. ففي سنته الأولى يتخيل نفسه رئيسا للتحرير.. وفي السنة الثانية.. يتضاءل حلمه ليصل في السنة الأخيرة لمجرد صحفى.. وبعد التخرج يتلاشى هذا الحلم.. امام ندرة فرص العمل ومزاحمة خريجي الكليات الاخرى له في هذه الفرص القليلة.. أما كليات الحقوق والتجارة والآداب والتربية وحتى الهندسة وغيرها فيتخرج منها آلاف الخريجين.. ولا يجدون فرصة عمل تتناسب مع مؤهلاتهم.
إننا في حاجة إلى إعادة النظر في المنظومة التعليمية كلها.. وربطها بسوق العمل واحتياجات المجتمع.. وتشجيع الخريجين على العمل الخاص وإقامة المشروعات الصغيرة.. بدلا من انتظار الوظيفة.. أو نتبنى سياسة ترامب التي تقوم على التوظيف حسب الخبرات والمهارات وليس الشهادات العلمية.. هذه السياسة التي ستساعد على حل المشكلة وتغيير مفهوم التعليم لدى الكثيرين.