الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

كورونا.. انتعاشة لعصابات المافيا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لا تفعل المافيا أى شيء من أجل الخير. فهذه العصابات تستمد تماسكها حتى اليوم من وجود مصالح مشتركة متنامية بينها. وتلك المصالح المشتركة كانت تطمئننى شخصيًا فى أن العمل سيتم إنجازه بسرعة فى برامج التسويق التى كنت جزءًا منها مع الفارق بين تلك المصالح "المافوية" غير المشروعة، وتلك المصالح التسويقية المشروعة. هذا يجعل كل فرد منها يعتمد على عائلته التى يتحول كل أفرادها بدوره لعضو فى المافيا. تتسع الشبكة وتصبح (Family Business) فأنت تحتاج دائمًا لمن تثق به حين يكون عملك سريًا فى معظم جوانبه، وتلك هى العائلة فى المقام الأول. لذا هناك مبدأ يحترمه الجميع ويرفعون من شأنه لدى تلك العصابات وهو "حك لى ظهرى وسأحك ظهرك".
تم تطبيق هذا المبدأ بكثرة فى فترة كورونا، إذ وجدنا فى إيطاليا شقيق أحد زعماء المافيا فى صقلية يوزع الطعام والمساعدات المتنوعة على المحتاجين، بل وظهر فى وسائل الإعلام يخبر الجميع بصوت عالٍ: "إذا كانت مساعدة الناس تعنى الانتماء للمافيا، فأنا سأكون فخورًا بانتمائى لها". لكنه لم يصرح بهذا الانتماء من عدمه حتى الآن. يعد تكتيك تقديم المساعدات المجانية أحد التكتيكات المعروفة لدى المافيا منذ القدم، فهو يعطيك الإحساس بأنه الداعم الأول لك، وهو داعم موجود دائمًا ويستحق الثقة، فى ظل غياب أى جهة أخرى للدعم أو ضعف جهة الدعم الموجودة نتيجة لإنهاكها فى جبهات متعددة أخرى، أو فقرها. ويقول نيكولا غراتيرى، المحقق فى شئون مكافحة المافيا ورئيس مكتب النيابة العامة فى بلدة كاتانزارو فى إقليم كالابريا، "هدف المافيا هو الحصول على المصداقية والاضطلاع بدور البديل للدولة، إن المافيا تهدف إلى تعزيز قاعدة تأييد جماهيرية لها أيضًا".
تعمل عصابات مافيا إيطالية إجرامية على اجتذاب الناس والمطاعم والشركات التجارية إليها عن طريق تقديم قروض مالية عاجلة بكثرة، مستغلةً الضائقة الاقتصادية خلال جائحة كورونا الوبائية. ويرى الكثير من المتخصصين فى دراسة هذه العصابات أنها تعود دائمًا لاسترداد ثمن المساعدة. يمكن دراسة خط سير الإجرام لدى العصابات كلما طالت فترة بقاؤها، والمافيا لها تاريخ طويل.
الغريب أن هذه العصابات بدأت بداية معقولة، وما زالت تحترم تقاليدها وقوانينها بشكل كبير داخل أركانها، إذ نشأت فى القرن الثالث عشر، حيث ظهرت مع الغزو الفرنسى لأراضى صقلية. تكونت على هذه الجزيرة منظمة سرية لمكافحة الغازى الفرنسى، وكان شعارها "Morta alla Francia Italia anelia"، ويعنى "موت الفرنسيين هو صرخة إيطاليا"، وجاء من الحروف الأولى من كلمات الشعار كلمة MAFIA. يُقال إن النشأة الأولى للمافيا جاءت تكليلًا للتمرد والعصيان الذى ظهر بصقلية عقب قيام أحد الغزاة الفرنسيين بخطف فتاة ليلة زفافها عام 1282م، ما أشعل نيران الغضب والغيرة فى صدور الإيطاليين فى كل مدينة. قام الثوار الإيطاليون بقتل عدد كبير من الجنود الفرنسيين انتقامًا لشرفهم، وردد الإيطاليون شعار المافيا فى هذا اليوم، وكان هو ما تصرخ به أم الفتاة المخطوفة وهى تبكى فى الشوارع بهيستيرية وتبحث عن ابنتها. بمرور الوقت، تكونت أول وأشهر فرق المافيا بالشكل الذى نعرفه، وهى فرقة جزيرة صقلية بإيطاليا. تكونت تلك الفرقة فى القرن الـسابع عشر، كمجموعة تعمل سريًا لمعارضة حكام الجزيرة الأسبان.فى الربع الأخير من القرن التاسع عشر، ثم غدت المافيا قوة اقتصادية وسياسية واجتماعية تمارس الأنشطة غير المشروعة بقوانينها الخاصة.
ستظل ساحة الوباء ميدانًا للكثير من المعارك الباردة والحارة، لكن البقاء دائمًا يكون للأنبل، إذ لا يبقى إلا ما يفيد أكبر عدد من البشر على الكوكب، ومن المؤكد أن المافيا لا تمثل هذا الخيار فى معظم الأحوال. لا تبقى إلا أفعال النوايا الحسنة فى كل وقت مهما طال الوقت حتى يتجلى بقاؤها.