إذا أردت أن تدمر أمة فحطم رموزها التاريخية والدينية والسياسية والرياضية والفنية، بحيث لا يجد الشاب في هذه الأمة مثلًا أعلى يحتذى به، ومن ثم يفقد الثقة في تاريخه وفى وطنه، وبذا ينعدم الانتماء عنده لهذا الوطن، وقد يصل به الأمر إلى حد كراهية الوطن والكفر بثوابته والتمثل برموز حضارات أخرى، والتاريخ ماهو إلإ صنيعة أشخاص تميزوا عن الآخرين فقادوا الأمم وحققوا نصرًا أو قاموا بأعمال بطولية أو تفردوا عن غيرهم في مجالات علمية وإبداعية مختلفة، فكتبوا بهذا أسماءهم بحروف من نور في السجل البشرى المسمى بالتاريخ وتحولوا مع الأيام إلى رموز تهتدى بها الأجيال التالية، وكل حضارة تفخر بما لديها من رموز في شتى المجالات وتحاول تصدير هذه الرموز إلى الأمم الأخرى، وتدافع عنها بكل الوسائل، فلو أنك مثلا قررت أن تنتج فيلما عن نابليون وسوف تقوم بتصويره في فرنسا فعليك أولا ان تترجم السيناريو وأن تحصل على موافقة الدولة الفرنسية التى ستعترض حتما لو أنك كنت تدين نابليون أو تشوه هذا الرمز التاريخى،وبعض الحضارات صاغت أساطير وهمية وصدقها الناس وذلك بغرض خلق بعض الرموز لها، حتى العرب كانوا يفعلون ذلك في أشعارهم التى خلدت بعض الأشخاص الذين لا وجود لهم في الحقيقة ولكنهم باتوا رموزا لتاريخ قبيلة بعينها، وفكرة تحطيم الرموز هى فكرة قديمة بدأت بالشعر، حيث كان الشاعر يهجو رموز القبيلة الأخرى المعادية ويسخر منهم، ثم يصدر هذه القصيدة إلى عامة الناس في القبيلة فتنتشر انتشار النار في الهشيم وتؤثر معنويًا ونفسيًا على شعب هذه القبيلة، وحين قام عبدالله بن سلول رأس المنافقين في المدينة بالطعن في شرف السيدة عائشة رضى الله عنها فيما عرف بحديث الإفك لم تكن السيدة عائشة هي المقصودة وإنما أراد ان ينال من رمز الإسلام وإمام المسلمين ونبيهم، ولكن الله أنزل قرآنا يحسم تلك القضية، وفيما بعد تم استخدام الطابور الخامس لبث هذه الروح في نفوس الشعوب،والطابور الخامس هو لفظ يطلق على كل من يعمل لصالح جهة معادية ويعيش وسط الناس دون أن ينكشف أمره،وليست صدفة ما يحدث خلال السنوات الأخيرة من حرب شرسة على كل رموزنا في مختلف المجالات، ففى حين تدفع الدول الأوروبية والأمريكية ملايين الدولارات من أجل تخليد أبطالهم وإقامة تماثيل لهم ويدعمون أى دارس في أى بلد في العالم تناول في أطروحة علمية أحد رموزهم نقوم نحن بهدم رموزنا، وهب مثلًا أن طالبًا يناقش رسالة ماجستير عن "موليير" في كلية الآداب بجامعة القاهرة، حينها ستجد السفير الفرنسى يجلس بين الحاضرين مستمعًا ومهتمًا، وهب أنك تناقش رسالة دكتوراة عن وليم شكسبير فإنك ستجد السفير البريطانى من أوائل الموجودين وهل لنا أن نتناسى كيف طلب الرئيس الفرنسى جاك شيراك من الرئيس مبارك تسمية أحد شوارع مدينة الجيزة باسم شارل ديجول،وحين تزور أى دولة أوروبية ستجد أن الميادين والشوارع والمطارات بأسماء رموز تلك الدولة من ساسة وقادة وفنانين، أما نحن فثمة من يحاول تحطيم رموزنا بإسم الحرية والديمقراطية وحرية النقد، فيتحول فجأة ودون سابق إنذار البطل التاريخى صلاح الدين الأيوبى بأقلام البعض إلى قاتل ومجرم وسفاك دماء،ويتحول عرابى الذى قاد الجيش المصرى مدافعًا عن الوطن ضد الاحتلال الإنجليزي ومناديًا قبل ذلك بالحرية، يتحول في أدبيات هؤلاء إلى خائن وخائب وسبب الاحتلال،أما توفيق الذى استدعى الإنجليز فكان عظيمًا وبطلًا جسورًا، ويتحول سعد زغلول إلى سياسى فاشل ومقامر، وعبدالناصر إلى ديكتاتور فاشى النزعة وسبب خراب مصر، فهل خربت مصر حقًا في عهده لكى نردد هذه الكلمات، أم أنها كلمات تتردد لتثبت في الوجد الجمعى وتحقق هدفًا لأعداء هذا الوطن الذين جعلوا السادات أيضًا خائنًا والشيخ الجليل محمد متولى الشعراوى جاهلًا متعصبًا، وسيد درويش مدمنا للكوكايين، وسيف الله المسلول خالد بن الوليد يتحول إلى قاتل من أجل امرأة، وللأسف فإن منصات ومواقع التواصل الاجتماعي قد ساعدت بشكل كبير في نشر هذه الأفكار التى لا تحطم الشخوص والرموز فقط ولكنها تحطم الوطن أيضًا، ولهذا فمن الضرورى أن يقوم المشرع المصرى بمناقشة وإصدار قانون تجريم التعرض للرموز حماية لهذا الشعب وهذا الوطن.
آراء حرة
تحطيم الرموز – 2
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق