هل كان لبنان بحاجة إلى الانفجار العظيم.. الذى هز العاصمة بيروت الثلاثاء الماضى.. وخلف عشرات القتلى وآلاف المصابين والمشردين من مساكنهم التى احترقت وتهدمت.. لكى يدرك العالم.. كم يعانى لبنان من الأزمات الخانقة؟.. تلك الأزمات التى نقلت اللبنانيين من رغد العيش إلى مستنقع الفقر.. وحولت لبنان "سويسرا الشرق" من أحد المراكز المصرفية المهمة فى العالم.. وأكثرها قوة وثباتا.. إلى بلد فقير عاجز عن سداد ديونه.. عملته متدنية وهيكله الاقتصادى منهار.. فضلا عن التخبط السياسى والصراع الطائفى والفساد الإداري والمالي.
لبنان حتى قبل سلخه عما كان يعرف بسوريا الكبرى.. وإعلانه دولة مستقلة.. محاصر بالأزمات المستعصية.. لتنوع تركيبته وعدم تجانس نسيجه.. فهو يضم طوائف دينية وعرقية متعددة.. أهمها المسلمين السنة والشيعة والعلويين والإسماعيليين والدروز.. والمسيحيين الموارنة والروم الأرثوذكس والكاثوليك والأرمن الأرثوذكس والكاثوليك والسريان الأرثوذكس والكاثوليك وغير ذلك من الطوائف.. هذا التعدد والتنوع كان نقمة أكثر مما هو نعمة.. على هذا البلد صغير الحجم قليل السكان.. والذى هاجر منه ضعف من بقوا فيه.. فقد أصابه هذا التنوع بالشلل وعدم الاستقرار.. نتيجة التناحر والصراع بين هذه الطوائف.. وتقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ.. وأتت الحرب الأهلية التى بدأت عام 1975 وانتهت شكليا عام 1990 لتدمر البنية الأساسية.. ثم جاء الفساد السياسي والإدارى والمالى ليقضى على البقية المتبقية من الكيان اللبنانى.. لم يتحمل اللبنانيون.. وخرجوا في أكتوبر الماضى فى مظاهرات احتجاجًا على الأوضاع المعيشية المتردية والبطالة والغلاء والفساد وتدهور الخدمات والمرافق الأساسية.. وظل لبنان فى غيبوبة سياسية نتيجة عدم تشكيل الحكومة لعدة أشهر بعد انسحاب سعد الحريرى وكتلته.
تكالبت الأزمات على اللبنانيين.. فمن تدهور مستوى المعيشة ونقص وغلاء المواد الغذائية وضعف الرعاية الصحية.. وقلة المياه الصالحة للشرب.. وأزمة الكهرباء المزمنة.. والبطالة وقلة فرص العمل.. وزاد الطين بلة.. أنه ظل هذه الظروف الصعبة.. تدفق ما يقرب من مليون ونصف مليون لاجئ سورى إلى بلادهم.. مما ضاعف العبء الاقتصادى والاجتماعى.. فى بلد غير مستعد لاستقبالهم.. وجاء انفجار الميناء ليعمق جراح اللبنانيين.. ويكشف عورات المسئولين فى بلادهم.
وقد لمست ما يعانيه اللبنانيين.. عندما زرت بيروت منذ عامين.. وكانت تلك زيارتي الأولى للبنان.. وكنت أظن أننى مقبل على زيارة باريس الشرق.. بيروت الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.. ففوجئت بغير ذلك.. تشكيل متعثر للحكومة استغرق شهورا طويلة.. ورائحة الحرب الطائفية.. تفوح من كل مكان.. وأكمنة فى الشوارع لأكثر من جهة.. ومناطق نفوذ لكل طائفة.. وغلاء فى الأسعار.. وضعف وانقطاع الكهرباء.. لدرجة أن البيوت والشركات استعانت بمولدات خاصة.. وسمعت أنهم فى الريف والجبل عادوا لاستخدام "لمبات الجاز".. ولكن تصادفهم ايضا مشكلة توفير "الجاز" لهذه اللمبات.. ولم أجد بيروت الستينات والسبعينات.. بل وجدت بيروت مهيأة للعودة إلى فترة الظلام العثمانى.. أيام كانت لبنان ولاية عثمانية.. يعانى فيها المسلمون والمسيحيون على حد سواء من الاضطهاد والجهل والفقر والمرض.
ظل الأشقاء فى لبنان يئنون تحت وطأة الفقر والغلاء والبطالة.. ولم يلتفت إليهم أشقاؤهم.. الذين يمولون الإرهاب فى كل مكان.. ويسعون إلى خراب بلاد أشقائهم.. ويعينون سلطان تركيا على احتلال ليبيا.. والتحرش بمصر.. لم يجد لبنان من يقيله من عثرته.. ولم يجد اللبنانيون من يشعر بهم.. فطالبوا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.. أول زائر لبلادهم بعد الكارثة.. بإعادة احتلال الفرنسيين لبلادهم.. فهم أفضل من حكامهم وأرحم من أشقائهم العرب؟!.