أحيانا يشعر الكاتب بعدم جدوى ما يكتب، فالكتابة فى زمننا قد تبدو أحيانا مجرد كلمات، لا يقرأها سوى قلة، أو ربما لا يقرأها أحد فى بعض الأحيان! فرغم اتساع أشكال النشر ما بين عشرات الصحف والمجلات والصحف الإلكترونية والمواقع، إلا أنه مع الكثرة زادت صعوبة التأثير وترك علامة، فما بين مئات الكتاب ليس سهلا أن يحقق كاتب ما تميزا أو شهرة!.. فى حين تتحول أحيانا بعض الكلمات التافهة وأصحابها إلى "ترند" بلغة العصر.. فقد أصبحت القيمة فى هذا الزمن تتحدد بمقدار القراءات والمشاركات، وهو ما يجعل البعض يلجأ لمحاولة لفت النظر، بإثارة موضوعات شائكة أو طرح آراء غريبة حتى يجذبون أعدادا كبيرة من المتفاعلين!.. وهو ما ينجح فى أحيانا كثيرة، وتصبح التفاهة سيدة الموقف!.. وقد يصيب بعض الكتاب الإحباط والخيبة نتيجة لذلك، فما جدوى الكتابة إذا لم تصل للقراء، وتحدث تغييرا أو تأثيرا؟! وما جدوى الجهد فى البحث عن فكرة وجمع المعلومات ثم محاولة الصياغة بشكل جذاب وغير نمطى، إذا كانت ستمر مرور الكرام، دون أن يلتفت إليها أحد؟!.. ربما الجدوى هى إرضاء الضمير.. أو ربما تحقيق المتعة الذاتية وتلبية الشغف.. فكما يقول الروائى الإسبانى كارلوس زافون: "ولطالما اعتبرت القراءة واجبا أو صدقة تُمنح للأساتذة والمعلمين دون أن نعرف سببها الحقيقي. كنت أجهل طبيعة المتعة التى تهبنا إياها الكلمة المكتوبة، المتعة فى ولوج أسرار الروح والاستسلام لنزوات الخيال وألغاز الإبداع الأدبى".. فللكتابة متعة لا يعلمها إلا من يمارسها، ولكن هذا فى الغالب إذا كانت الفكرة هى التى تلح على صاحبها، ولكن فى حالة الكتابة المنتظمة والارتباط بميعاد ثابت، ليس شرطا أن تكون الفكرة ملحة، فمع مرور الوقت وكثرة النشر، قد لا تسيطر فكرة ما على ذهن الكاتب، بل يحاول أن يستدعى الأفكار حتى يصبح متجددا عن نفسه وعن غيره.. فتصبح الكتابة كالولادة المتعثرة!.. ومع القلق والتوتر الذى يصاحب الكاتب عند ولادة أى عمل، يصبح همه هو اجتذاب القراء وسماع آرائهم التى تمنح الأفكار تفاعلا وحيوية، تخرج منها أفكار جديدة وأكثر تطورا.. ولكن حين تكون الكتابة دون قراء تفتر الرغبة ويقل الشغف، ويتحول فعل الكتابة من خلق وإبداع لروتين ممل لا يشعر صاحبه بجدواه!.. ورغم ذلك قد تأتى تعليقات أو ردود أفعال تعيد للكاتب ثقته بنفسه وفى ما يكتبه، فتتجدد طاقته ليبدع من جديد.. وقد قرأت كلمات ملهمة نشرها الكاتب والروائى هشام الخشن على فيس بوك نقلا عن الست كوم البريطاني “Life After”:
"يرتقى المجتمع حين يزرع كباره بذور أشجار يعلمون أنهم لن يعيشوا ليستظلوا بها".. وقد شعرت أن تلك الكلمات تنطبق على الأفكار والكلمات، فحتى لو لم تقم الكلمات بإشعال النور فيكفى أن تكون بذورا ننثرها ونزرعها للآخرين، وربما تطرح ثمارها فى وقت لاحق وزمن آخر، فالكلمات لا تموت، وربما يتأثر بها شخص واحد، فيلهم بها آخرين.. فتحقق التأثير عبر الزمن.. لذا علينا أن نلقى بذور الفكر والوعى والثقافة، دون أن ننتظر جنى الثمار، فيكفينا شرف المحاولة والسعى، حتى وإن آتت أُكلها بعد حين.. وصدق من قال: "الكلمة قد تفعل فى الإنسان ما لا تفعله الأدوية القوية، فهى حياة خالدة لا تفنى بموت قائلها".. لذلك ابذروا الكلمات تثمر ثقافة لا تموت.