الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الأشهر الحرم والأجور المضاعفة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من حكمة الله عزّ وجلّ، أنه فضل بعض الأيام والشهور على بعضٍ كما فضل بعض الأمكنة على بعضٍ، ففضَّل الأشهر الحُرم على سائر شهور العام، وأمر الله سبحانه وتعالى بتعظيمها وإجلالها، والالتزام فيها أكثر بدينه وشرعه، ونهى فيها عن الظلم تشريفًا وتعظيمًا لها؛ فقال تعالى عنها: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ...} [التوبة: 36]، فالثواب والعقاب مضاعف في هذه الأشهر، والحسنةُ تُضاعف فيها كما تُضاعف السيئةُ، وقال القرطبي رحمه الله: «لا تظلموا فيهن أنفسكم بارتكاب الذنوب، لأن الله سبحانه إذا عظّم شيئاً من جهة واحدة، صارت له حرمة واحدة، وإذا عظمه من جهتين أو عدة جهات، صارت حرمته متعددة، فيضاعف فيه العقاب»، وقد بيَّن النبي ﷺ الأشهر الحُرُم وحددها فعن أَبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه، أن رسولُ الله ﷺ قال: «ألا إنَّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعةٌ حُرُم، ثلاثةٌ مُتوالياتٌ: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجبُ مضر الذي بين جمادى وشعبان» (رواه البخاري).
حرمة الأشهُر الحُرُم ثابتة منذ عهد سيدنا إبراهيم عليه السلام كما ورد في شريعته؛ فقد كانت معظمةً في الجاهلية عند العرب ويُحرِّمون فيها القتال، حتى لو لقي الرجل منهم قاتل أبيه لم يتعرَّض له بسوء، وقد استمرت القبائل في شبه الجزيرة العربية على تحريم القتال على نفسها خلال هذه الأشهر على مر السنين والعصور، وتعارف الناس في هذه الأشهر أن يحرم فيها القتال إلا ردًّا للعدوان بهدف ضمان الأمان للحجاج والتجار للوصول إلى أماكن العبادة والأسواق والعودة بسلام، خصوصا وأن فترة السفر تستغرق آنذاك قرابة الشهرين ذهابا وايابا، ومع مجيء الإسلام استمرت حرمة هذه الأشهر قائمة حتى الآن وإلى يوم القيامة، فزادها الله تعظيمًا؛ فيجب علينا أن نحذر من المعصية فيها؛ لأن المعصية فيها ليست كغيرها؛ بل المعصيةُ فيها أعظمُ؛ لأن المعاصي تعظم بسبب شرف الزمان الذي حرّمه الله، وكما أنّ المعاصي تعظُم في الأشهرُ الحُرم؛ فكذلك الحسنات والطّاعات تعظُم وتُضاعف في هذه الأيّام؛ فالتّقرّبُ إلى الله عزّ وجلّ بالطّاعة في الشّهر الحرام أفضلُ وأحبُّ إليه سبحانه من التّعبُّدِ في سائر الأيّام، وأسأل الله أن يعيننا على اغتنامها على الوجه الذي يرضيه.