أصبحَ من الضروري أن أستيقظَ مع كُلّ صباحٍ، على وقعِ ضجيجٍ لا ينقطع من الجيرانِ، تتوالى استغاثات النّساءِ، وتصفيقِ الأطفال، وهرج الرجال، يتنادى الجميع في نفسٍ واحد: اقفل المحبس الرئيسي يا عم.. بلاها الحنفية إللي في الشارع دي إيه لزمتها؟!.
ينتهي الجدال المُحتدّ، وصوت القوم وصياحهم مع تعالي نبرة صاحب البيت، الذي يتمطّع في برودٍ وسوء أدبٍ، مجيبا بغلظةٍ وتعالي: الميه دي مش مية حكومة. دي مياه جوفية ارتوازي.. أنا محدش له سلطة عليا من أكبر شنب في الدولة.. روحوا شوفوا على أثيوبيا أنا مالي.. عليا الطلاق ما فيه ضكر يقدر يمد إيده على الماسورة..
ثم يغلق من خلفهِ بابه في عنفٍ ، امتلأ الشارع بالوحلِ ، وتراكم الطّين وبرك المياه أمام الأعتابِ ، والتي ما إن تجف حتى تعود ثانية، لتصبح حديث الصّباح مع كُلّ الجيران ، فصاحبنا قد ترسّخ في يقينه ، أن إهدار المياه شيء عادي ، طالما كانت مياه جوفية ، نهبا مباحا يفعل بهِ ما يحلو له .
سادت الجيران حالة من الامتعاضِ الشديد ، أمام إصرار البطل المغوار الذي أقسم أيمانا مغلظة بأن الدولة لم تنجب الذِّكر الذي يحاسبه أو يملأ عينه ، لا يسمح لأحدٍ بالنقاشِ معه ، تنهال الطلقات والأيمان مثنى وثلاث ورباع.
يسحب " خرطوم " المياه ، ويعلقه في الحنفيةِ الموجودة خارج بيتهِ ، ويعطي المقود لابنه الصغير ، الذي يبدأ في رشّ المياه برعونةٍ واستهتار ، مع مباركةِ البطل الذي وقف مبتسما في تشفي ، منتصرا على الدولة وقيادتها وقوانينها ، ناهيك عن عبثِ الصغار الذين تعمد تركهم يتلاعبون بمحبسِ المياه ، ليتركوا الماء تحت جنحِ الظلامِ منسابا يملأ الشارع .
مع الأسفِ والألم ، ففي ظلِّ المعارك التي تخوضها القيادة السياسية للدولة المصرية ، وانشغالها بالحروبِ الدبلوماسية الضروس ، وحالة الاستنفار القصوى التي تعمّ مصرنا العزيزة ، والاصطفاف الشعبي خلف القيادة ؛ لأجلِ التصدي لمشروعِ سد النهضة الأثيوبي ، وما يكتنف المواطن المصري من هواجس ، لتأثيراتهِ السلبية وتبعاته المحتملة ، على حصةِ المياه المصرية ، التي تعتبر شريان الحياة فيها ، الذي قامت بفضلهِ على ضفافِ نيلها الخالد أعرق حضارات الدنيا ، والذي تعتبر كُلّ قطرةٍ منه حياة إنسان ، ومصدر صناعة وزراعة وتنمية ، نحن في أمسّ الحاجة إليها ، وفي ظل حالة التوحد الجماهيري والقومي ، خلف القيادة الرشيدة للرئيس عبدالفتاح السيسي ، لقيادة هذه المرحلة الحساسة من تاريخ الأمةِ المصرية ، والتي راعى فيها المحافظة على كُلّ قطرة مياه ، بفضلِ حكمتهِ وحنكتهِ التي نؤمّل عليها جميعا .
وفي ظلِّ المبادرات العلمية المتسارعة، والتوصيات البحثية التي تعمل ليل نهار بتوجيهات عليا، مقترحة الكثير من الحلولِ والبدائل، في حالِ حدوثِ أزمةٍ _ لا سامح الله _ أو ما يستدعي إيجاد ما يضمن توفير مصادر أخرى للمياه، والمحافظة على انتظام الحياة في مصرنا العزيزة، حين أوصى الخبراء باعتمادِ تكنولوجيا متطورة، أو اللجوء إلى مخزون مصر من "المياه الجوفية " والذي استقرّ في باطنِ الأرض ِ منذ آلافِ السنين ، كإرثٍ قومي ، وتركة وطنية لا يجوز العبث بها من العابثين ، أو تبديدها كما يفعل صاحبنا ، بل تحتاج منا جميعا المحافظة عليها ، وعدم التلاعب بمصائر الملايين، التي لا يمكن أن تسمح في يومٍ من الأيامِ، لمثلِ هؤلاء الخونة المندسين ، أو تمكنهم من التفريطِ فيها بهذهِ الصورة المهينة .
يأبى " الطابور الخامس " الذي حذرت الدولة منه ، والذي خرج من تحتِ الأرض ليخرج لنا لسانه ، بعد أن غفلنا عنه لأمدٍّ ، فها هو ينشط من جديد ، يغيّر جلده وشكله ويعود إلينا بصورةٍ خبيثة، ليحدث في هذا الوقت بالتحديد الفوضى ، ويدعو إلى التشويشِ والبلبلةِ ، واللعب بعقولِ المواطنين الشرفاء ، الذين وثقوا بقيادتهم الوطنية المخلصة ، وساروا خلفها يؤازروها ويؤمنوا بها ، بل ويباركوا خطواتها في قضية سد النهضة المصيرية ، ويشدوا على أيديها فيما تنتهجه من بدائل وأساليب ، والتي اعتبرت مخزون " المياه الجوفية " الذي يعبث به أمثال صاحبنا أمنا قوميا ، لا يجوز تضييعه أو اتلافه ، خاصة في الفترةِ المقبلة من تاريخِ مصر المعاصر .
يخرج علينا أمثاله من المأجورين ، وبقايا الخلايا النائمة بين أبناءِ مصر الأوفياءِ، إنني اعتبر تصرف هذه العصابة امتدادا واقعيا لحالةِ التحريض وإثارة الفتنة ضد مصر ، بل وتحرك مسموم ومخطط ملعون إذا لم تنتبه له ، فإنه ببساطة يستهدف استنزاف مواردنا ، وهل ملف اتلاف " المياه الجوفية " بالأمر الهين يا سادة .
تتحرك أذرع المؤامرة في خارجِ مصر، ومن خلال عناصرها التي جندتها ، والتي لا تعرف للوطنِ حقا ولا لأبنائه حرمة، لتحقيق هدفها ، في الوقت الذي تنشغل مصر فيه قيادة وحكومة وشعبا بقضاياها المصيرية ، فيتمطع " البيه " ويقسم أن امرأتهِ طالق ، وأن أحدًا في الدولة لا يستطيع منعه ، أو حتى إزالة حنفية المياه من الشارع ِ، مهددا أنه سيفتح المياه ليل نهار ، طالما كانت " مياه جوفية" .
إن معركة المياه يا حضرات ، لا تقل أهمية عن معاركِ الدولة المصرية الشرسة ، وحروبها المشروعة الشريفة ، التي تخوضها قواتها المسلحة الباسلة ، وشرطتها البطلة ؛ ضد بؤرِ الارهاب الأسود والتكفيريين، والذين حاولوا المساس بأمنِ الكنانة وتدمير مقدراتها، وزعزعة أمنها والتلاعب باستقرارها ، مدفوعين من قوى خارجية ، إقليمية ودولية ، واستكمالٍ لمخططٍ ملعون من منظمات دافعها نصب شراك المكيدة والشر لهذا البلدِ الآمن ، والتحريض ضد القيادة المصرية التي قطعت شوطا جبارا في سبيل نهضة مصر ، واعلاء رايتها بين دولِ المنطقة ، وجعلها ملاذا آمنا للبناءِ والاستثمارِ والتعمير ، ووضع البلد على طريق الريادة عالميا .
إن هذا الصوت وغيره من الأصواتِ النشاز ، التي اندست بين أبناءِ مصر، وخاصة في ريفها وقراها الآمنة ، لابد أن يُضرب عليها بيدٍ من حديد ، وبلا تهاون أو مماطلة ، من قيادات الدولة على اختلافها ، وبخاصة رجال المحليات ، الذين وجب عليهم التحرك الآن وقبل فواتِ الأوان .
ولعلي أعتبر أسطر هذا المقال ، صرخة عاجلة واستغاثة عالية ، وشكوى ورجاء ، أبثه لقائدِ الأمة المصرية ، وباني نهضتها الرئيس عبدالفتاح السيسي ، فكما ضربت يا سيادة الرئيس بيدٍ من جديد واجتثثت جذور الفساد من مؤسسات الدولة ، عليك أن تكمل جميلك ، تكمل مسيرتك المباركة وتنظر إلى ثروة مصر من " المياه الجوفية " وتقطع يد العابثين والمعربدين ونحن من خلفك كما عاهدناك ، وقديما قالت الحكمة : معظم النار من مستصغرِ الشّررِ.