الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

رياض الصالح الحسين.. سيرة موت ناقص.. بدأ بنشر قصائده عام 1967.. و«خراب الدورة الدموية» أول مجموعاته شعرية عام 1979 «أساطير يومية» صدرت عام 1980.. و«بسيط كالماء واضح كطلقة مسدس» قبل وفاته بخمسة أشهر

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في العاشر من مارس عام 1954 ولد رياض الصالح الحسين في درعا، جنوب سوريا، كما في بطاقة هويته، نال رياض الشهادة الابتدائية في منطقة دمر البلد، ودرس ثلاثة أشهر من الصف السابع في قدسيا. ثم اضطر لترك الدراسة بسبب مرضه بالتهاب المجاري البولية، تطور ليغدو قصورا كلويا حادا، مما أدى لإجراء عمليى جراحية في مستشفى المواساة بدمشق عام 1967 كان من نتائجها أنه فقد السمع والقدرة الطبيعية على النطق. في عام 1975 جاء إلى حلب وسكن في حي (الصاخو) وحصل على وظيفة عامل في شركة خاصة للغزل بحي التل بحلب، حيث تعرف على الشاعر ( على كتخدا) ثم انتقلا للعمل معا بفرز الأوراق في مؤسسة الأمالي الجامعية، التابعة لاتحاد طلبة جامعة حلب. وهناك تعرف أيضا على نذير جعفر، الذي كتب عنه في روايته (تحت سقف واطئ).


بدأ بنشر قصائده بشكل جدي منذ عام ١٩٦٧ وكانت البداية كما حدث لأغلب شعراء قصيدة النثر من جيل السبعينات، إن لم نقل جميعهم موزونة ومقفاة في مجلة جيل الثورة.
في عام ١٩٧٩ صدرت عن وزارة الثقافة في دمشق أول مجموعة شعرية له بعنوان (خراب الدورة الدموية) لا تتضمن سوى قصائد نثرية. وفي عام ١٩٨٠ صدر له عن وزارة الثقافة أيضا مجموعته الثانية (أساطير يومية) بكلمة غلاف كتبها الأستاذ أنطون مقدسي دون ذكر اسمه.
وفي عام ١٩٨٢ قبل وفاته بخمسة أشهر صدرت مجموعته الشعر الثالثة (بسيط كالماء واضح كطلقة مسدس) عن دار الجرمق الفلسطينية، دمشق. بتقديم مسهب لسعدي يوسف.
وفي ٢٠ نوفمبر من نفس العام أعطى الموت أوامره النافذة بإعدام كل علامات الحياة في قلب وجسد رياض الصالح الحسين عن عمر لا يتجاوز ٢٩ عاما.
وفي مقدمة أعماله الكاملة قال الشاعر منذر مصري عن رياض الصالح الحسين: رياض مات في عمر أصغر من أن يكون له سيرة حياتية حافلة بالأحداث والمواقف، وهذا كل شيء! أو لأقل، ولد رياض ومات ولا شيء ذا أهمية قصوى في حياه. إلا شعره! أو ربما مرضه، الأمر الذي أدى إلى تلك المأساة، والشعور بالفاجعة عند التفكر بموته الباكر.

وهنا نختار بعض قصائد الشاعر السوري رياض الصالح الحسين والتي من الممكن اعتبارها سيرة موت ناقص.
دخان
كئيبا ومنفتحا كالبحر، أقف لأحدثكم عن البحر
مستاء وحزينا من الدنيا، أقف لأحدثكم عن الدنيا
متماسكا وصلبا ومستمرا كالنهر،
أقف لأحدثكم عن النهر
وعندما يصبح للنافذة عينان تريان يأسي
وللج
ران أصابع تتحسس أضلاعي
وللأبواب ألسنة تتكلم عني
وعندما يصبح للماء طعم الماء
وللهواء نكهة الهواء
وللحبر الأسود هذا رائحة الحبر
وعندما تهيئ المطابع الأناشيد للقراء بدلا
من الحبوب المنومة
وتهيئ الحقول القمح بدلا من الأفيون
وتهيئ المصانع القمصان بدلا من القنابل..
سأقف، أيضا، سأقف لأحدثكم عني
لأحدثكم عن الحب الذي يغنال المراثي
عن المراثي التي كانت تفتح دفترها الملكي
لنسجل أسماءكم في قائمة القتلى
عن القتلى المتشبثين بالضماد والميكروكروم
الذي لم يأت
وسأقف أيضا، سأقف
لأحدثكم عني
مثلما يتحدث الديكتاتور عن سجونه
والمليونير عن ملايينه
والعاشق عن نهدي حبيبته
والطفل عن أمه
واللص عن مفاتيحه
والعالم عن حكامه
سأحدثكم بحب، بحب، بحب
بعد أن أشعل سيجارة.
الرجل السيئ
وأذكر أن المرأة الزرقاء عندما رأتني أبكي جثثا وفقراء
قالت: عيناك مرآتان لخمسين قارة من الوجع والانتظار
وقالت المرأة التي ترتدي العاصفة والوحوش:
أنت تعرف الكثير عن صبايا الأزقة المغلفات
بالأقفال البلاستيكية الملوثة
والأطفال الأغبياء المتمسكين بالأحصنة
الخشبية ونهود الأمهات
وقالت المرأة بعد أن فتحت شاشتي عينيها:
(كان ثمة عاشق يرعى فيهما شجرا ومعتقلات)
يداك قاسيتان ووديعتان
وأصايعك نحيفة ومعذبة
فهل لمست بهما الرغيف الثمين أو الشفاه
الرمادية المرتعشة؟
هل قبضت على العالم؟
وقالت المرأة لي:
أنت تهذي كثيرا بأسماء الأسماك
والأعشاب البحرية
وتفتح مملكة دماغك ليل نهار
لقوافل الغجر التائهة
وتمزق بأظافرك لحم الأبواب
والجدران السميكة
فأي الأشياء أحب إليك:
أن تمضغ بشراسة رؤوس العصافير؟
أو أن تكسر الصحون والموائد المصنوعة 
من خشب الجوز؟
وقالت لي أيضا وهي تنظر إلى الرأس
المشوه المتوترفي لوحة لسعد يكن:
أمك بجانبك تنحني عليك كيمامة
وأصدقاؤك يقبلونك في المناسبات
وانا أدفئك في ليالي تشرين الباردة
وأرسل إليك الأحلام الشاسعة والمكاتيب
فماذا تطلب غير ذلك؟!
أتريد أن تفجر النبع؟ أم تود أن تحرث المجردة؟
وقالت المرأة القاسية:
أبتكر لك الدنيا..
خمسة جدران بيض
وسريرا أبيض
ووردة بيضاء في كأس.
وكان يمكن أن أبتكر نعشا


-أنا الرجل السيئ-
لفاطمة العنيفة ونزيه الخائف والبحر التعيس
للأقفال الكريستالية السوداء
للقرى الصاخبة بالعنب والديوك والبطون المقعرة
للأغاني الممزقة في سلة المهملات
للمعاملات العقارية المبطنة بالأختام
لحبوب الأسبرين والعشاق
لمصارعي الثيران الأذكياء في إسبانيا
للمجرفة الصلبة والفلاح الرقيق
للدم الأخطر ومرتزقة الانقلابات
أنا الرجل السيئ
كان على أن أموت صغيرا
قبل أن أعرف المناجم الحارة والدروب
المرأة التي تغسل يديها بالعطور
والملاك الذي يزين رأسه بالجماجم
الولد الخبيث ذا اللثة الطرية الذي يقشر
الحليب من البكتريا والحروب من الانتصارات
أنا الرجل السيئ
كان على أن أموت صغيرا
قبل أن أعرف الأشجار الإرهابية ومافيا السلام
وفاة بائع المرطبات على سكة القطار
والغجرية التي أهدتني تعويذة وقبلة
وكثيرا من الأكاذيب
أنا الرجل السيئ 
كان على أن أموت صغيرا
قبل أن تفترسني الوردة
وينحت الفنان النظيف من عظامي القلائد والأقراط
الفنان النظيف الوردة النظيفة
في حجرة ممتلئة بزجاجات البيرة
والعرايا
لافتة للفنان النظيف:
الفنان النظيف يحب الوردة
الحب للوردة والوردة للسكاكين
أيتها السكاكين المسطينة
أيها الجسد الإنساني القذر
أيتها الكلاب المعبأة بالمقانق والمحبة وعبير النعناع
أنا رياض الصالح الحسين
عمري اثنتان وعشرون برتقالة قاحلة
ومئات المجازر والانقلابات
وللمرة الألف يداي مبادتان
للمرة الألف يداي مبادتان
كشجرتي فرح في صحراء
الشمس الشمس
الشمس الناضجة
الشمس المدورة كنهد
المنتشرة كالطاعون في القرن التاسع عشر
المضيئة كعيني طفلة بقميض شفاف على البحر
الشمس الشمس
تمر بأسنانها على عنقي اليانع
وتقضم أيامي كما يقضم الطفل تفاحة أو قطعة بسكويت 
فتنقل يداي على صدري
يداي –كخطى الجنود – مبادتان
أسأل صديقتي:
لماذا، للمرة الألف، نباد؟
منقطعان عن الحب
ممتلئان بالخنادق كامتلاء دمية بالقش
وبعد قليل نتشبث بغصن التعب
متعبان البارحة.. متعبان اليوم
وربما غدا، أيضا، نكون متعبين
فمي مباد ولذا لا أستطيع أن أقبلك
يداي مبادتان ولذا
لا أستطيع أن أسرقك من البرد
في المقهى ننام
في الشارع نبكي
من الحقل مطرودان
من المدينة أيضا
السيارة أداة للقتل
وغصن الزيتون مشرط لاقتلاع جلدة الرأس.
خراب الدورة الدموية
استقلي باص جسده
أو انتظريه في المحطة التالية
فهو االآن مهتم لأنه قتيل
ومتهم بتخريب الدورة الدموية:
القبلة رصاصة
الطلقة الأخيرة حب.
١- صورة شخصية لـ: ر. ص. ح:
يركض في عينيه كوكب مذبوح
وسماء منكسرة
يركض في عينيه بحر من النيون
ومحيط من العتمة الطبقية
في عينيه – أيضا –
تركض صبية جميلة بقدمين حافيتين
يغني: لقد كانت طرية.. طرية
كالثلج واليانبيع
لفد كانت سنبلة طرية
ولذلك التقطتها بمناقيرها العصافير
لقد كانت طرية.. طرية
تركض بقدمين حافيتين فوق سهل أجرد.
٢- حلم:
من يقطن في جسد "يانافالينتوفا"
الطافح بالغزلان وأشجار البلوط
المعبأ بالمعجزات الأرضية المشاعة؟
من يغتسل في محيط عينيها
ويتبلل بالنوارس وأصابع الصيادين السعداء؟
ها أنذا أتفقد مكتبة أيامي
فاتحا كراسة الأنهار،
لأقرأ في خطوط يديها:
وأمجاد الأمواج البرية
أتفتت في مناخ قبلاتها:
أسماء خضراء وغابات سالكة
ممالك تفتح أبوابها لفرسان الدهشة
لعصافير الدوري المتفجرة بالغبطة والأناشيد.
٣- عشب:
جلس العاشقان على العشب
جلس العاشقان
خلفهما جثة لا تحد
وبينهما جثة ودخان
٤- أغنية:
مزرعة للوفي، يدك التي تمتد لا ترجعيها
شفتي لغة مطلخة بالضنى
الآن تتمدد على سرير جسدك الوثير
ترتمي بين أشجار عينينك ذاكرتي
وأنا متشبث بضفائر يديك
أفتح نافذة للحديث..
وبلحظة يقتنصك الغياب
أو تصبحين فريسة للأغاني!
٥- أسئلة:
أيتها البلاد المصفحة بالقمر والرغبة والأشجار،
أما آن لك أن تجيئي؟!
أيتها البلاد المعبأة بالدمار والعملات الصعبة
الممتلئة بالجثث والشحاذين،
؟أما آن لك أن ترحلي؟!