تستعد مصر لمرحلة جديدة من الحياة النيابية.. بإجراء انتخابات مجلس الشيوخ الجديد.. الذي تقرر إنشاءؤه ضمن التعديلات الدستورية عام 2019.. والتي تبدأ خلال أيام.. وبعد اكتمالها.. سيتم انطلاق فعاليات انتخابات مجلس النواب.. لتكتمل التجربة البرلمانية الجديدة.. القائمة على غرفتين للبرلمان.
ومجلس الشيوخ ليس بجديد على الحياة البرلمانية في مصر.. سواء كان بنفس المسمى.. أو بمسمى آخر.. فقد كان البرلمان المصري وفقا لدستور 1923 يتكون من مجلسين هما مجلس الشيوخ ومجلس النواب.. وقد ساوى هذا الدستور في صلاحيات المجلسين.. مع بعض الاختلافات البسيطة في الاختصاصات.. وفي عام 1980 تكررت تجربة البرلمان ذو الغرفتين.. بإنشاء مجلس الشورى بجانب مجلس الشعب.
ومصر هي أولى دول المنطقة التي عرفت الأنظمة النيابية والبرلمانية في العصر الحديث.. فالحياة البرلمانية فيها.. تمتد للقرن التاسع عشر.. عندما أسس محمد على المجلس العالي عام 1924 ثم مجلس التشاور عام 1829.. وكان التطور الأكبر في الحياة النيابية عام 1866.. عندما أنشأ الخديو إسماعيل.. مجلس شورى النواب.. وظلت التجربة البرلمانية المصرية في تطور.. حتى جاء دستور 1923 وتضمن إنشاء برلمان من غرفتين هما الشيوخ والنواب.. وظلت التجربة البرلمانية في العهد الجمهوري إلى أن وصلت إلى التجربة الجديدة ممثلة في مجلسي النواب والشيوخ الجديدين.. وقد اختلفت مسميات البرلمان المصري منذ نشأته في عهد محمد على.. فبدأ بالمجلس العالي ثم مجلس التشاور فمجلس شورى النواب.. ومجلس شورى القوانين..ثم مجلسي النواب والشيوخ.. فالجمعية التشريعية والجمعية الوطنية ومجلس الأمة ومجلسي الشعب والشورى.
التجربة البرلمانية الجديدة.. تستحق الاهتمام ومشاركة المواطنين في صنعها.. بممارسة حقوقهم السياسية.. والمشاركة في اختيار من ينوبون عنهم في البرلمان.. من أجل تنفيذ التنمية المستدامة ومراقبة الحكومة ومحاربة الفساد.. وسن وتشريع القوانين اللازمة لضبط وتيسير الإجراءات في مختلف المجالات.. لأن العزوف عن المشاركة والامتناع عن التصويت.. يأتي بنواب لا يستحقون تمثيلهم أو تنقصهم الخبرة.. ولذلك فالمشاركة في التصويت ضرورة.. وكل مواطن حر في اختيار من يراه الأصلح لتلك المهمة.. لا ولاية لأحد عليه في اختياراته.. المهم أن يمارس حقه السياسي.. الذي كفله له القانون وضمنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.. ذلك الحق الذي يمكن المواطن من المشاركة في السلطة والمساهمة في صنع سياسات بلده.
وتجربة مجلس الشيوخ الجديد.. تجربة مهمة.. وإن كانت لي بعض الملاحظات عليها.. أولى هذه الملاحظات.. هي ضرورة توسيع مهام واختصاصات المجلس.. حتى لا يكون مجرد مجلس استشاري.. كمجلس الشورى السابق.. والملاحظة الأهم.. هي النزول بسن الترشيح إلى 35 سنة.. وكنت أتمنى ألا يتم النزول إلى هذه السن.. لأن هذا المجلس اسمه مجلس الشيوخ.. أي أصحاب الخبرة والكفاءة والتجارب الحياتية الطويلة.. وهذا ليس تقليلا من شأن الشباب.. ولكن ليكون المجلس اسما على مسمى.. أعضاؤه شيوخ في مجالاتهم.. أما الشباب.. فأمامهم تجارب سياسية عديدة.. أهمها حق الترشح لمجلس النواب.. تلك التجارب التي تؤهلهم في المستقبل.. لعضوية مجلس الشيوخ.. وعلى العموم.. هذه التجربة.. هي بداية جيدة لحياة برلمانية جديدة.. ستتطور مع مرور الوقت.. لتصل في النهاية.. إلى الشكل الأمثل والأفضل.