راشد الغنوشي ليس مجرد رئيس لمجلس النواب التونسي، ولكنه رمز واضح وصريح لجماعة الإخوان المسلمين، وبرغم بساطة هذه الحقيقة الواضحة إلا أن بواقي جماعة فيرمونت في مصر مازالت تواصل خداعها للجميع، حتى إنها بمجرد أن أفلت الغنوشي من التصويت بسحب الثقة حتى سارعت رموز مصرية في الربط بين المطالبين بعزل الغنوشي وبين نظام بن على الهارب زمن الثورة التونسية.
هذا الربط المخادع ليس إلا محاولة جديدة لإعادة تعويم تيار إرهابي أثبت في كل المواقف عمق خيانته وعمالته وعدم اعترافه بحدود الأوطان، منهج يقترب من الإرهاب الفكري يتبناه مثقفون وإعلاميون وسياسيون، منهج كالطبل عالي الصوت مجوف المضمون، حالة المثقف الهجين ليست قاصرة على الواقع المصري فقط ولكنه منتشر في عموم العواصم العربية، ينطق بلسان تقدمي بينما خطواته كلها تتجه نحو تكريس الفاشية وتمكين التكفيريين من رقابنا، وهنا نستطيع أن نفهم لماذا ينجح المتأسلمون دائما في انتخابات الصناديق، فوزهم ليس عن قوة أو أغلبية حقيقية لتيارهم، لكنهم يصعدون دائما لوجود انتهازيين في الصف المدني، يبيعون حدود الوطن من أجل محاصصة مع تيار الظلام.
راشد الغنوشي الذي سقط بالفعل في تونس، لم يستر مقعده البرلماني إلا 16 صوتا فقط جاءوا من أحزاب صغيرة غابت الرؤية العامة عن قرارهم وتعاظمت في أعينهم فتات ما يتركه لهم الإخوانجية، تلك الأحزاب لها امتداد وظلال في القاهرة وهو ما يدعو للعجب والحسرة، لم يغضب المتثاقف المصري من تهنئة الغنوشي للسراج بعد تمكن الأخير من قاعدة الوطية في ليبيا، المبتهج المصري لنجاة الغنوشي من الإسقاط لم يفكر في عمق علاقة راشد بخصمنا أردوغان، هذه مصالح مصرية واضحة، اقتصاد مصر في غاز المتوسط، أمن مصر على حدودها الغربية الذي لن يتحقق إلا بالقضاء على معسكرات الإرهاب في ليبيا.. الغنوشي الذي لا ينكر مشاركته مع لصوص الغاز ولا يرفض وجود معسكرات الإرهاب في ليبيا هو خصم مؤكد، وبالرغم من ذلك نقرأ يوميا من فلول فيرمونت في مصر ما يشبه الشتيمة لكل داعم لإسقاط الغنوشي وما يمثله من أفكار.
التهمة الجاهزة التي يقذف بها هؤلاء في وجه من يختلف معهم هي: أن المختلفين هم أنصار بن على في تونس وأنصار مبارك في القاهرة، ويتناسى المثتاقف العميق في خبثه أن سنوات عشر قد مضت على سقوط مبارك وبن على وأنه من الممكن بناء تيار ثالث يختصم فساد أزمنة ما قبل الثورات وفي ذات الوقت يختصم إرهاب المتأسلمين أصحاب نظرية طز في الأوطان، هذا الخيط الواضح لا يراه أصحاب الاتهامات الجاهزة ملاك الحقيقة المطلقة في التيار المدني.
لا أخشى أبدا من خصومي الواضحين كتيارات الإسلام السياسي أو الفاسدين في كل الأزمنة.. الخوف كل الخوف من الذين يتكلمون بخطابك ويتمترسون في خنادق الخصم مدافعين عن حقه في اللصوصية أو حقه في التفجير.
دماء الشهداء التي سالت على مدى عشر سنوات تلعن القاتل وتصرخ في وجه تيار التبرير ذيول فيرمونت في كل مكان تصرخ لتؤكد أن دماء الشهداء لن تذهب سدى ولكنها نور يشع في كل ركن من أركان الوطن، تلك الدماء ثابتة على موقفها المتقدم من أجل أوطان حرة وشعوب يحميها القانون، تلك الدماء تكره الغنوشي ومن معه، لا تقتلوا الشهداء مرتين وتعلموا من دروس التاريخ، ولا تجعلوا الدولار هدفا لما تكتبون، سجلات العار مفتوحة للرصد والتوثيق، وبوابة الأوطان مفتوحة وتتسع لمن يعرف قيمتها.