بعد احتلاله فرنسا، عام ١٩٤٠ استطاع أدولف هتلر، أن يصنع من الفرنسيين جماعة تكرس تبعيتهم للاحتلال النازى بل وتقاتل أشقاءهم الأحرار من الفرنسيين، الذين رفضوا هذا الاحتلال واعتبروه عارا يجب التخلص منه مهما كانت قوة خصمهم المحتل.
حكومة فيشى ظلت في تبعيتها للنازى هتلر لمدة أربع سنوات تقريبا حتى ظن بعض اليائسين أن دولتهم التى كانت إلى وقت قريب واحدة من أهم قوتين على وجه الأرض قد أصبحت رهن ويلات احتلال أذاقوه كثيرا لعشرات الشعوب منذ عهد قريب، وظن كثير من الفرنسيين أن لا منجا ولا ملجأ لهم إلا هتلر ومن دار في مداره.
هو نفس الأمر الذى اتبعه المغول عندما احتلوا معظم دول المعمورة، استعانوا بخونة أوطانهم لكى يسهل عليهم احتلالهم واستعبادهم، بل واحتقارهم بعد أن تنتهى مهمتهم، ويسلموا بلدانهم وأهلهم عبيدا وسبايا، لمحتل طامع في ثروات بلادهم.
وهى تقريبا نفس الوسيلة التى تم بها احتلال الأمريكان دولة العراق، وهو أيضا أسلوب أقرب لما اتبعه العثمانيون لاحتلال بلاد عديدة وإخضاعها لسيطرتهم وسلطانهم، قبل أن يطوروا فيما بعد أسلوب سيطرتهم على البلاد من خلال المرتزقة الذين تم إطلاق اسم "الانكشارية" عليهم وهم من أبناء البلاد التى تم احتلالها في آسيا الصغرى وغيرها.
هو تقريبا نفس النموذج الذى تم في شمال سوريا عندما قامت تركيا بتجنيد بعض الخونة وضعاف النفوس لمحاربة دولتهم وجيشهم لصالح المحتل التركى الذى أغرى بعضهم بأن الحكم سيئول إليه بالخلافة الموعودة.
والتاريخ مليء بنماذج مشابهة أو قريبة الشبه بما تم ذكره من أمثلة.
هكذا يمكن للجبابرة أن يصنعوا لهم حلفاء من الجبناء وخونة الأوطان، بل يمكن أن يجعلوهم يسبحون بحمدهم ليلا ونهارا، سرا وجهارا، مفتونين وفاتنين ضعاف النفوس والضمائر، وأن يبيعوا لهم أوطانهم، إما بدراهم معدودات أو بمراكز ومناصب شكلية، هى للعبودية أقرب.
ويبقى مثل حكومة السراج في طرابلس هو الأقرب بمعظم تفاصيله إلى ما قام به الماريشال بيتان في باريس أثناء احتلال الألمان مدينتهم عام ١٩٤٠ وظلوا يدافعون عن سادتهم النازيين ضد الأحرار من الفرنسيين لعدة سنوات، ولكن نهاية هؤلاء الخونة كانت في مزبلة التاريخ، الذى وصمهم بالخيانة والغدر.
ما قام به السراج وزمرته التى تحكم مدينة طرابلس هو النموذج الفج للعمالة كما يجب أن تكون، فقد قام الرجل بعقد اتفاقيات مع المحتل التركى تتيح له السطو على ثروات الشعب الليبى مقابل إطالة أمد حكمه لبضع سنين في حكومة هشة وشكلية لا تملك من أمرها شيئا، تغوص يوما بعد آخر في وحل العمالة والخيانة.
عمالة السراج وحرصه على كرسيه الهش جعلاه يجلب حثالة أهل الأرض وأشدهم خيانة لأوطانهم كى يستنزفوا أموال بلاده ويحاربون بهذه الأموال شعبه وجيشه.
السراج الذى يتماهى كل يوم في هوى جلاده، وتغوص قدميه في بئر الخيانة مع كل اتفاق جديد، لا يدرى أن نهايته أقرب إليه من حبل وريده ولن تمد له خيانته بقاءه طويلا، ولن يغنيه وعده لسيده الخليفة، في تحصين عنقه من حبل الإعدام، بعد أن عقد اتفاقيات تتيح للغازى الطامع نهب المزيد من ثروات شعب، كان بالأمس القريب سيدا في داره وأصبح اليوم يتسول الحياة الآدمية التى تتيح له الحد الأدنى من طعام وأمان، بات حالما صعب المنال بعد أن رأى الذئاب يبيعون ثرواته لأى ناهب يمنح جلاديه بعض الوقت على كرسى ملوث بالدماء والخيانة.
التاريخ كتاب مفتوح يكرر لعبته ولا يفهمه الخونة دائما بعد أن صموا آذانهم عن رؤية أحداثه أو فهم دروسه، لكى تتكرر وقائعه بنفس فصولها المريرة.