الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

وداعًا د. مشالي.. طبيب الغلابة!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ربما لا تجد طوال حياتك شخصية مثل الطبيب الراحل الدكتور محمد مشالي الملقب بطبيب الغلابة والذي توفي الأسبوع الماضي بعد صراع مع المرض، فقد افني الرجل حياته كلها في سبيل مهنة الطب وعلاج الفقراء من المرضى بأسعار منخفضة جدا وتكاد لا تذكر وأحيانا بدون مقابل بشكل جعله طبيب استثناء وسط عديد من الأطباء الذين يستقبلون المرضى في عياداتهم الخاصة ويستولون على ما في جيوبهم تحت مسميات عديدة ما أنزل الله بها من سلطان وكما يقول المثل الشائع "يأخذون المريض غسيل ومكواه" بداية من سعر الكشف العالي والذي يفوق إمكانيات المرضى الفقراء والذي يصل أحيانا إلى ألف أو ألفين جنيه وتنتظر دورك بعد شهرين! وهم أطباء معروفون بالاسم في القاهرة والمحافظات الكبرى مثل الإسكندرية وطنطا والقليوبية والجيزة.. إلخ.

ومرورا بعقد الطبيب لاتفاق مع مركز أشعات وآخر مركز تحاليل لكي يتم تحويل المريض إليهم ويحصل الطبيب على نسبته من هذا المركز أو ذاك وربما يكون هذا المركز تابع وملك للطبيب المعالج نفسه الأمر الذي يجعل السبوبة العلاجية مكتملة للطبيب الذي يتولى المريض منذ قدومه للعيادة ودفع كشف العلاج بمبلغ ٧٠٠ أو ٨٠٠ وأحيانا أكثر من ١٠٠٠ جنيه ثم التأكيد على المريض بوجود استشارة بمقابل أقل من سعر الكشف بعد أسبوع واحد من الكشف الأول وتصل ما بين ١٥٠ إلى ٢٠٠ جنيه ثم تحويل المريض إلى مركزه الخاص بالأشعات أو معمله التحليلي ثم الإحالة إلى الصيدلية التابعة له وعندما ينتهي المريض من الكشف يجد نفسه أنفق مبالغ طائلة دون أن يعالج من المرض الذي يعاني منه!

بينما الدكتور محمد مشالي الذي نعته الحكومة وحزن مصر كلها على وفاته، لم يكن يهتم بأي من هذه الأمور ولم يحصل على حقه في سعر الكشف علي المرضي وكثيرا ما كان يتنازل عن سعر الكشف بأن يقوم بإعطاء المريض الدواء من جيبه الخاص!

ومن أجل ذلك تسعى الدولة لإطلاق اسمه على إحدى الطرق الشهيرة في مسقط رأسه أو على أحد مدرجات كلية الطب وهو ما سوف تختاره الحكومة تقديرا لهذا الرجل الذي أفنى حياته في خدمة المرضى والفقراء ولم يسع التكسب والتربح على حساب صحة الناس مثلما يفعل الكثيرين من أطباء هذا العصر والذين يتربحون ويتاجرون في صحة الناس وربما لم يكن لدي بعضهم خبرات حقيقية وربما يكونوا خريجي جامعات خاصة التي تسعى - بعضها - وراء المال فقط دون التعليم الجاد، ولم يحصل فيها الطالب بكلية الطب على تدريب كافٍ على ممارسة مهنة الطب وينفق آلاف وربما الملايين علي دراسته بمثل هذه الجامعات وعندما يتخرج يركز أولا على كيفية تعويض المبالغ التي اتفقنا على دراسته ومن أجل تأمين مستقبله، فيركز على الكشف المبالغ فيه لتحقيق ثروات طائلة في وقت قصير للغاية!

كنت أعرف طبيب ما سعر الكشف لديه ٥٠٠ جنيه وسعر الأشعة المقطعية في مركزه الخاص ٥٠٠ جنيه أيضا وسعر الاستشارة بعد أسبوع ١٥٠ جنيها ولم يحدث علاج المريض وضاعت الفلوس هباء وهناك حالات كثيرة!

يفترض أن الأطباء هم ملائكة الرحمة وليس شياطين العذاب والذين يسعون لتعذيب البشر واصطيادهم والاستيلاء على أموال الناس تحت مسمى أشعة وتحاليل وكشف مبالغ وأدوية من صيدلية بعينها الأمر الذي جعل من الطبيب الراحل د. محمد مشالي نموذج لن يتكرر ولم تجده اليوم وسط حيتان الكشف الطبي الذين لا يكترثون بأحوال الشعب العامة وما وصلت إليه أوضاعهم المعيشية من فقر وعدم وجود رفاهية العلاج لعدم وجود المال الإضافي للعلاج ولكن مصلحتهم الأولي هي كيفية الاستحواذ على المال من المرضى أولى وأخيرة!

الطبيب في بلادنا يعاني من أزمات حقيقية تبدأ من عدم اهتمام الدولة نسبيا بأوضاعه المعيشية وإن كانت استجابة لهم مؤخرا في زيادة بدل العدوى بعد موقفهم البطولي في خلال أزمة كورونا التي دمرت العالم ولا تزال، حتى تطلق عليهم جيش مصر الأبيض تقديرا لما قاموا ويقومون به في خدمة الإنسانية والمجتمع المصري.

مصر والعالم العربي يفتخر بنموذج مثل د. محمد مشالي طبيب الغلابة والذي فقدناه جسدا ولكن روحه وذكراه ستظل دوما بيننا وسيظل دعاء الفقراء من المرضى له بمثابة جواز مرور له إلى جنة النعيم والفردوس الأعلى بإذن الله!