الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مياه النيل .. التحدي الأكبر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نحن لا نريد حربا.. سواء في ليبيا أو مع إثيوبيا.. أو مع أي طرف آخر.. فنحن لسنا دعاة حرب ولسنا معتدين.. ولا أحد عاقل يسعى إلى الخراب والدمار.. كل ما هنالك أننا نريد العيش في سلام.. مع نفسنا ومع الآخرين.. حياتنا مستقرة وحدودنا آمنه وحقوقنا مصانة.
ولكن الظروف والأحداث وضعتنا أمام تحديات.. لا يمكن الوقوف حيالها ساكنين.. فليبيا.. لم نتدخل في شئونها.. وليس لنا مطامع فيها.. رغم أننا شعب واحد فرقته الحدود التي رسمها الاستعمار.. ولكن أن يأتي الأتراك ومن يمولهم.. ليناوشونا عبر ليبيا ويهددون أمننا واستقرارنا.. فهذا ما لن نسمح به.. بأي وسيلة رد تتناسب مع هذه المناوشات.. وإثيوبيا.. لا نقف في وجه تنميتها ونهوضها.. ولكن ليس على حساب حقوقنا التاريخية والطبيعية والقانونية الثابتة.. فلا ضرر ولا ضرار.. خذ حقك وأعطني حقي.. إنما تأخذ حقك وتمنع حقي.. فهذا ما لن نسمح بها.. مهما كلفنا ذلك من جهد وعناء وتضحيات.
وإذا كانت القضية الليبية هي إحدى التحديات التي تواجهنا.. فإن التحدي الأكبر.. والقضية الأهم بالنسبة لنا.. هي قضية مياه النيل.. لأنها قضية حياة أو موت.. فالماء سر الحياة.. وغيابه معناه نهاية الحياة.. ولقد قال سبحانه وتعالى: «وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون».. ولولا النيل ما استقر الإنسان في هذه البقعة.. التي تحيطها الصحاري والجبال والبحار المالحة من كل جانب.. وما عرف الإنسان التحضر والتمدن.. بعد زمن طويل من البداوة والترحال والتنقل.. بحثا عن الماء والكلأ هنا وهناك.. وما قامت حضارة الفراعنة في مصر.. أعرق حضارات العالم.. حيث استقر الناس على ضفاف النيل وفروعه.. وتحول نشاطهم إلى الزراعة.. وتركوا الرعي والصيد.. وأصبح النيل سر حياتهم ووسيلة نمائهم.. ونظروا إليه بعين القداسة.. وعرفوا قيمته في حياتهم وأدركوا أهميته في استقرارهم.. فعملوا على الاستفادة منه قدر الإمكان في مختلف مناحي حياتهم.. فازدهرت حضارتهم على ضفافه.. وكانت منهلا للحضارات التي تلتها. 
ظل النيل على مر العصور.. سر وجود مصر واستمرار الحياة بها.. وارتبط النيل بإسمها.. ولم يرتبط بإسم غيرها من البلدان الواقعة عليه.. وأدرك العدو قبل الصديق قيمة وأهمية النيل لمصر.. فجرت محاولات عديدة لخنق مصر.. بالعمل على قطع مجرى النيل ومنعه من السريان إلى مصر.. ولقد حدث في نهاية عصر الخليفة الفاطمي المستنصر بالله.. المجاعة التي عرفت بالشدة المستنصرية.. والتي استمرت سبع سنوات.. لم تصل فيها مياه النيل الى مصر.. فتصحرت الأرض وهلك الزرع والنسل وأكل الناس القطط والكلاب وجثث من مات منهم.. وصاحب المجاعة انتشار الأوبئة والأمراض التي فتكت بالناس حتى فقدت مصر نحو نصف سكانها.
وظل حرمان مصر من مياه النيل هدفا للقوى الاستعمارية الأوربية المعادية لمصر التي وقفت في وجه كل محاولاتهم للسيطرة على المنطقة.. ودحرت جيوشهم وردتهم إلى بلادهم خائبين منكسرين.. نحن لسنا ضد تنمية إثيوبيا.. أو توليد الطاقة بها أو غير ذلك من حقوقها المشروعة.. لكن أن تتعسف في استخدام هذه الحقوق أو تتجاوزها.. لتتسبب في إلحاق الضرر بنا.. فهذا ما لن نقف مكتوفي الأيدي حياله.. سنتحمل التشدد والتعسف والمماطلة الإثيوبية.. ولكن هذا التحمل له حدود.. وعلى إثيوبيا إلا تستخف بصبرنا وتحملنا.. وتكون جادة وعلى قدر المسئولية.. للوصول إلى حل يرضيها ويرضينا.