أغلقت الحكومة الإيطالية الأسبوع الماضي باب تلقي طلبات المهاجرين غير القانونيين على أراضيها والذين يريدون تسوية أوضاعهم. ويرجح أن ما لا يقل عن 200 ألف مهاجر تقدموا منذ فتح الباب لتلقي الطلبات مطلع يونيو الماضي للاستفادة من القانون الذي أصدرته الحكومة الإيطالية لتغطية النقص الكبير في اليد العاملة خاصة في قطاع الزراعة بعد مغادرة الكثيرين إلى دولهم إثر انتشار فيروس كورونا. وسوف تمنح الحكومة تصريحا بالإقامة مدته 6 أشهر في خطوة أولى. ولا توجد أي إحصائية حتى الآن لمعرفة عدد المصريين الذين شاركوا في هذا الإجراء لتقنين أوضاعهم. ويعد هذا القانون فرصة كبيرة لعملية تسوية واسعة سيستفيد منها نحو ثلث المهاجرين غير الشرعيين على التراب الإيطالي والبالغ عددهم وفقا لإحصائيات رسمية 600 ألف مهاجر. وحسب ما نقلته صحيفة لاريبوبليكا عن وزيرة الزراعة تيريزا بيلانوفا، فإن بلادها تحتاج حاليا إلى ما بين 270 ألف و350 ألف عامل موسمي في قطاع الزراعة فقط. في حين يحتاج قطاع الخدمات المنزلية والصحية بدوره لآلاف العمال لتغطية النقص الذي ترتب عن جائحة كورونا. ويتضح أن الجائحة قد حملت معها بعض الخير للمهاجرين غير الشرعيين ومنهم المصريون الذين استبشروا بهذا القانون وربما لم يكن في الأحلام يوما أن تنفرج أزمتهم!
ويعد المصريون في إيطاليا من أهم الجاليات المصرية الموجودة في أوروبا، ويأتي ترتيبها الأول من حيث العدد وكذلك من حيث الارتباط بالوطن والمساهمة في بنائه خاصة بحكم القرب الجغرافي ونجد أن أغلبهم يزورون مصر بشكل مكثف ويحولون أموالهم ويقيمون بيوتهم ويشيدون مشروعاتهم ويشترون الأراضي والممتلكات ويعتبرون أن إقامتهم في إيطاليا مهما طالت فإنها مؤقتة لأن العودة النهائية ستأتي ولو بعد حين وهذا ما سجلته الدراسات الحديثة حول هجرة المصريين إلى إيطاليا حيث أشارت إلى وجود تحول في طبيعة الهدف من هجرة دائمة إلى هجرة مؤقتة. وهناك نحو 560 ألف مصري مقيم في إيطاليا حسب تعداد الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء عام 2017، ويمثلون ما يعادل 44.8% من إجمالي المصريين في الدول الأوروبية وعددهم 1.2 مليون مهاجر. لكنه من غير المعروف على وجه الدقة عدد المصريين المقيمين في إيطاليا بشكل غير قانوني. ويشير معهد الدراسات الدولية الإيطالي المتخصص في تحليل البيانات الجيوسياسية والاتجاهات السياسية والاقتصادية العالمية إلى أن إجمالي عدد المهاجرين غير القانونيين في إيطاليا يبلغ 700 ألف مهاجر؛ ويرجح أن يكون عدد المصريين 5.8% من إجمالي المهاجرين غير القانونيين الذين تعقبتهم السلطات الإيطالية في إحصاءات 2012 وفقا لوزراة العمل والسياسات الاجتماعية.
وحسب نفس المصدر فإن الجالية المصرية تأتي في المرتبة التاسعة مقارنة بالجاليات المهاجرة الأخرى حيث تبلغ نسبتها نحو 3% من إجمالي المواطنين المقيمين في إيطاليا من خارج الاتحاد الأوروبي، ويعيشون بشكل مركز في شمال إيطاليا، وخاصة لومباردي التي يتواجد فيها ما يقرب من 70 % من إجمالي المصريين. ويتميز التواجد المصري بالفئات العمرية الشابة حيث يبلغ متوسط عمر المصريين نحو 27 عاما وهو أقل ب 4 سنوات من متوسط عمر الجاليات الأخرى. وسبب التواجد الرئيسي للمصريين هو العمل حيث يحمل 54% منهم تصاريح عمل بينما الـنسبة الباقية هم مرافقون للعائلة. ويأتي التعليم كثاني سبب لطلب الإقامة ثم التجنس بإجمالي 13 ألف طالب في العام الدراسي 2011-2012 وهم يحتلون المرتبة 13 مقارنة بعدد الطلبة من الجاليات الأجنبية الأخرى. ويحمل واحد من كل إثنين مصريين تصاريح قانونية للعمل والإقامة طويلة الأجل مٌنحت بعد أكثر من 5 سنوات من التواجد على التراب الإيطالي. ويبلغ عدد القاصرين 32 ألف مصري قاصر يقيمون بانتظام منذ 2011 أي ما يعادل 29% من إجمالي المصريين في إيطاليا. ولهذا العدد الكبير نسبيا تفسير مرتبط بالقانون الإيطالي الذي يمنع ترحيل المهاجرين غير القانونيين من الأطفال دون سن الثامنة عشر. وتقدم لهم السلطات المختصة فرص تعليم اللغة الإيطالية والتدريب على المهارات المختلفة داخل معسكرات المهاجرين خلال النظر في وضعياتهم وكثير من الموهوبين منهم ينتقلون إلى مدارس داخلية أو لدى عائلات كفيلة يقيمون عندها ويتمتعون بالحياة الأسرية والدعم الاجتماعي والمنح والمساعدات ثم يحصلون على تصاريح الإقامة الرسمية إذا ثبت حسن سلوكهم وعدم وجود مظاهر للانحراف.
وحسب روايات غير رسمية من داخل منظمة الهجرة الدولية فقد استغل سماسرة وأولياء أمور هذه الثغرة في القانون لتهريب أطفال رغم الخطورة التي تنطوي عليها هذه الخطوة والتي تجعل مصيرهم الموت في عرض البحر نتيجة صغر سنهم وعدم قدرتهم على تحمل صعاب لا حيلة لهم بها. وقد غرق كثيرون في رحلة الجحيم خاصة في العشرية الأخيرة بعد ثورة يناير 2011.
ومن غير المعروف الأسباب المباشرة لانخفاض نسبة الحاصلين على الجنسية الإيطالية من المصريين مقارنة بغيرهم من المهاجرين، وقد يكون أحد الأسباب عدم التمكن من استيفاء الأوراق المطلوبة. وعلى سبيل المثال كان نصيب المصريين 2% فقط من إجمالي المتقدمين لنيل الجنسية الإيطالية عام 2012 (912 مصريا فقط من إجمالي 40223 مهاجرا)، 72% منهم رجالا مقابل 28% من النساء.
وفيما يتعلق بظروف العمل، يحظى المصريون بسمعة جيدة بشكل عام لدى أصحاب العمل حيث يلتزمون بالتعليمات وليسوا دعاة مشكلات رغم كون ظروفهم ليست في غالبها جيدة بل يتعرضون للاستغلال وطول فترات العمل لكنهم يتحملون ذلك العسف من أجل كسب لقمة العيش. وهناك 58% من المصريين في إيطاليا يعملون بقيمة ثماني نقاط مائوية أعلى من تلك المسجلة لجميع المواطنين من أصل شمال أفريقي الموجودين في إيطاليا وفقا لدراسة إيطالية. ويبلغ معدل البطالة بين المصريين 13% وهو أقل بـ6 نقاط مائوية مقارنة بمعدل البطالة لمواطني شمال أفريقيا (19%). ويعمل المصريون بكثافة في قطاعين رئيسيين هما الإنشاءات والفنادق والمطاعم (31% لكل قطاع)، فيما يعمل 14% في قطاع الخدمات و9% في الصناعة و7% في الأنشطة التجارية. وتشير نفس الدراسة إلى أن المستوى التعليمي السائد بين المصريين هو التعليم المتوسط بمعنى لا يتجاوز المرحلة الثانوية بنسبة 42%.
وفي إطار البحث عن حلول مستدامة لمكافحة الهجرة غير الشرعية، وقعت إيطاليا مع مصر ممثلة في وزارة الدولة لشئون الهجرة والمغتربين في شهر أغسطس العام الماضي اتفاقا تنضم من خلاله إيطاليا إلى مبادرات مصرية تهدف إلى التنمية الاجتماعية داخل مصر مع التركيز خاصة على النساء والشباب. وهي من ضمن الحلول المقترحة للحد من الهجرة من خلال إقامة مشروعات في داخل البلدان المصدرة للمهاجرين وطالما طالبت جهات عديدة مثل الاتحاد الأوروبي ومنظمة العمل الدولية وكذلك الأمم المتحدة بالاستثمار في التنمية بداخل تلك الدول بدلا من إنفاق المليارات على احتواء أزمة المهاجرين غير الشرعيين.
ومن الواضح أن جائحة كورونا قد عجلت بصدور قانون تسوية أوضاع المهاجرين غير الرسميين في إيطاليا التي أدركت بشكل براجماتي أن العمالة القادمة من شمال أفريقيا وقارة أفريقيا ككل يمكن الاعتماد عليها في إنقاذ قطاعات واسعة من خسائر ثقيلة مثل الزراعة وذلك بعد أن هربت غالبية العمالة الوافدة من شرق أوروبا خوفا من أزمة كورونا. ولعل التجربة الإيطالية في هذا السياق قد تفتح الباب أمام فرنسا وبلجيكا وألمانيا لتحذو حذوها وتصدر قوانين مماثلة لتسوية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين لديها خاصة وأن أزمة كورونا أثبتت لهم بالدليل والحجة القاطعة أنهم لا غنى لديهم عن المهاجرين وأنه حال الوقت لمعاملة عادلة وغير عنصرية لهؤلاء المهاجرين الذين يساهمون في نهضة تلك البلدان ورفعتها ويستحقون المواطنة عن جدارة!