منذ أن بدأت جائحة كورونا وبدأ الرجال يشكون من الفيروس وعدم إنصافه! ما بين ترصده لقنص أرواح الرجال أكثر من السيدات وحتى إجازات العمل! فالسيدات المتزوجات بات لديهن الحق فى إجازة براتب لا ينتقص بينما يتكدس العمل فوق مكاتب الرجال، فشعرت السيدات المتزوجات بنشوة الانتصار ربما لأول مرة حيث كان نصيبهن من التنمر والسخرية لقيامهن بواجباتهن الأسرية تفوق الوصف بل والسخافة فى كثير من الأحيان تحت مسمى «مدام اعتدال».
وبالرغم من التاريخ الطويل للنسوية العربية لا تزال المرأة فى مجتمعاتنا العربية تحارب نظرة ذكورية متجذرة يتم ترسيخها من الصغر، تسقى للطفل منذ نعومة أظفاره فينشأ وهو على يقين بأن المرأة خلقت لتقهر، عليه استغلالها ماديا وجسديا ومعنويا وصحيا وتكريس حياتها لخدمته!
هنا يجب أن نشير لكتاب «المرأة.. ميراث من القهر» للدكتورة أمانى فؤاد، أستاذة النقد الأدبى الحديث بأكاديمية الفنون، يطرح الكتاب الصادر عن الدار المصرية اللبنانية بجرأة هذه القضية الشائكة والذى يعد دراسة مستفيضة حول موقف الثقافة العربية من المرأة، ويتناول بمنظور علمى الخطاب الدينى حول مكانة المرأة، سواء كان خطابا أصوليا أو حداثيا، ثم تتطرق المؤلفة للمرأة والواقع السياسي، والمرأة فى مرايا الإعلام وغيرها من المحاور الجوهرية لفهم أبعاد المشكلة وجذورها.
تسلط المؤلفة الضوء على جذور المشكلة التى تتلخص فى حفاظ الذكورية على مكتسبات زائفة سلبت باسم العرف والتقاليد حقوق والمرأة وأهليتها، للحد الذى جعل المرأة تخضع للنوع لا الصفة وفى المقابل تطرفت النزعة النسوية لانتزاع حقوقها بتمردها على قيمة النظام الأسرى باسم الحرية والاستقلال الذاتي.
ترى المؤلفة أن الذكور أيضا ضحية ولكن ما فائدة التعليم؟ هنا يجب أن نتوقف عن دور مؤسسات التربية والتعليم فى تغيير الصورة الذهنية لدى الذكور عن النساء حتى ولو اكتسبوا عبر التنئشة الاجتماعية مفاهيم خاطئة، بالطبع إلا قلة ونجحوا فى تأسيس أسر سليمة.
قراءة الكتاب مثيرة للكثير من الأفكار وتطلق فى رأسك الحماس للنقاش حول قضايا حقوق المرأة نلمسها يوميا ونعايشها أهمها حقها فى التعليم وعدم تفضيل الذكور عن الإناث فى التعليم، حقها فى مساحة آمنة فى المجال العام، حقها أن تسير فى الشوارع غير لاهثة أو خائفة، الكتاب يؤلب علينا الكثير والكثير..
ترسخ كيان المرأة العربية إبداعيا وإن كانت تعانى من إسقاط ما تكتب عليها وإلصاقه بها فى كثير من الأحيان، لكن هنا تتناول الكاتبة النصوص الروائية كوثائق أيديولوجية -سوسيولوجية وما يسمى الأدب الإسلامى حيث تتكشف ظاهرة «الكاتبة المنتقبة» وهنا تفند الكاتبة برؤية الناقدة الحصيفة ذهنية الروائيات المنتقبات وكيف تظهر فى نصوصهن عبر اللاوعى سقطات مثل تهميش الآخر ونفى الآخر الغربى وتلفت إلى ظاهرة الكتابة بأسماء مستعارة والتى لاحظتها فى بعض الصحف فى المغرب العربى، حيث تخشى النساء كتابة اسمها وتختصره لحروف مبهمة، ولا تزال بعض الأسر العربية ترى أنه من العيب مناداة المرأة باسمها فى القرن الحادى والعشرين وكبرى العواصم العربية القاهرة!.
لم تغفل المؤلفة صورة المرأة فى أدب نجيب محفوظ معتبرة أنه اكتفى بتجسيد نماذج من الواقع دون خلق شخصيات لها القدرة على الفكر الحر والتمرد على أفكار المجتمع الظالمة، وللأسف طبعا رسخت صورة «أمينة» وسى السيد لأجيال طويلة بعد تجسيدها سينمائيا على العكس من ذلك كانت روايات إحسان عبد القدوس التى نجحت فى هذا الصدد ودفعت الفتيات لمزيد من التعلم والعمل. يستحق الكتاب والكاتبة تحية على المحتوى القيم واللغة الثرية، فعلى مدى 191 صفحة نقرأ قضايا ثقافية وأدبية عميقة بمعجم لغوى يمتعنا برشاقة ورصانة لغتنا العربية.