الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الحروب نبتة التطرف

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إن القتلة في كل العصور يشبهون الماشية، لأنهم لو كانوا غير ذلك لعلموا أن "الإنسان يولد حرًا.. وأنه لا يمكن لأي أغلال حديدية أو أي قوة خارجية من أي نوع أن تجبر روح أحد على الإيمان أو الكفر".
إن القتلة في كل مكان عبيد لأفكار صنعتها أوهامهم، وأنهم يحاولون دون خجل إيجاد مبررات لها، وبوقاحة ينسبونها للسماء التي تغضبها مشاهد الدم، تمامًا كما أغضبها دم هابيل المراق على أرض لم تضق به وبقاتله يومًا.
يقول هيرودوت "وقت السلم يدفن الأبناء الآباء، أما وقت الحرب فيدفن الآباء الأبناء" وقد اختبرنا هذه المقولة جيدًا، وبمنتهى الأسى منذ أن وعيت عقولنا هذه الحياة الخدعة، وكأن قدر البشرية أن تبدأ بحرب بين ولدي آدم وهما لم يعرفا بعد معنى التعايش والتضاريس، وظل الغراب شاهدًا على دناءة العنصر البشرى الممسوس بالكراهية.. الكراهية التى لا فكاك منها إلا بالسعى في الطريق المستقيم.. إلا بالحب.
الكراهية تُولد الحرب، والحرب شجرة سامة نبتت من بذرة التطرف.. والتطرف لا يخلو من إغفال العقل وإعماء القلب.
مات هابيل ليفسح المجال أمام المزيد من إهدار الدم.. الدم الذى بذل كل الأنبياء والقديسين والمصلحين والناس الطيبين ما استطاعوا ليحقنوه ليحرث الإنسان أرض الله كما يحب.
وبما أن الأفكار العليا لا بد لها من لغة عليا فكانت الكتب السماوية.. لم تفشل الأفكار ولا الكلمات، ومع ذلك كان السلاح في متناول اليد ليبدأ الإنسان رحلة تلو أخرى من سفك دماء الآخرين المختلفين معه، في عقيدته أو رؤيته أوموقفه من الحياتين: الأولى والآخرة، باسم التعاليم، ليقف التاريخ البشرى حزينًا ومثقلا بالضحايا، إذ لم تخل أمة أو ثقافة من أفراد تطرفوا فنفثوا سمومهم لتشتعل الحروب وتتناثر الأشلاء.
ما من أحد يستطيع أن يشعر كم يؤلم كليم الله «موسى» عليه السلام ما فعله الفريسيون والعشارون بحق المسيح، وما يمارسه أحفادهم حتى يومنا هذا في القدس الشريف لا لشيء سوى اعتقادهم الراسخ بأنهم شعب الله المختار، وبما أنهم كذلك فإن الله يحارب معهم ويؤيدهم في كل جرائمهم ضدنا نحن المختلفين عنهم ومعهم!
ولا جدال في أن ما فعله بطرس الناسك من تحريض البسطاء وقليلى العقل والإيمان بحرمة الدم ليخوضوا الحروب الصليبية وقتال المسلمين والاستيلاء على بيت المقدس، لا جدال في أن هذه الحروب وما خلفته من ضحايا تدمى قلب المسيح الطيب الذي لم ير عيبًا أو غضاضة أو ذنبًا في الصفح عن مريم المجدلية وهي من هي.
ولا مراء في أن نبينا الكريم محمد ابن عبد الله لا يرضيه في روضته ما فعله كل الذين انحرفوا عن طريقه ودعوته، بدءًا من الخوارج ووصولا إلى الجماعات الإسلاموية المعاصرة، التى أضفت على أفكارها الدموية شرعية منبعها لي عنق الحقيقة والنصوص بالباطل حتى يتسنى لها سفك الدماء، وهم يكبرون ويهللون، وكأن الله فرِحٌ بما يرتكبون من جرائم تقشعر لها الأبدان!
لا أنبل من الوحي، ولا أعنق من الرسالات، ولا أسمى من الأفكار الوضاءة فلا تحملوها وزر ما فعل الناس بها.