الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ثورة يوليو المفترى عليها

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هل كانت مصر بحاجة إلى ثورة أو إلى انقلاب كما يحلو لأعداء الجيش والتاريخ وبعض المتحذلقين أن يسموا ما حدث في يوليو 52 ؟ وهل كانت الأمور متأزمة إلى الحد الذى لا يقبل أى حل آخر؟ هل تحرك الضباط الأحرار من سكناتهم ليقفزوا إلى الحكم ويجهضوا تقدمًا عظيمًا كان يحدث في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية؟ هل كنا أمة متقدمة تنتج وتبتكر وتخترع وتصدر إنتاجها إلى العالم؟ ولكى نجيب على هذه الأسئلة علينا أن نعود بالذاكرة إلى حال مصر مساء يوم الثانى والعشرين من يوليو 1952 حيث كان الاحتلال البريطانى يجثم على صدورنا منذ ما يقرب من سبعين عاما، وحيث كنا نعانى حالة اقتصادية متردية عكس ما يدعيه البعض وما يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، فمصر لم تكن قبل 52 دولة غنية ولم تقرض بريطانيا كما يردد سفهاء جماعة الإخوان وغيرهم، لقد كانت مصر مديونة منذ عهد إسماعيل وتراكمت الديون عليها لدرجة أن الدول الدائنة أقرت بضرورة وجود مراقب مالى لهافى الوزارة المصرية،وكان وزير خارجية بريطانيا يعين ملك مصر ويرفده حسب هواه،وفى كتابه مقدمات ثورة 23 يوليو كتب عبدالرحمن الرافعى يقول"كانت الحالة الاقتصادية في أوائل سنة 52 تحفز النفوس إلى الانتفاض والثورة والعمل على تحرير البلاد من عوامل الفقر التى كانت تتراءى فيها"فالنشاط الزراعى،وهو النشاط الأكثر رواجا في هذه الفترة قد استحوذ عليه الملاك الذين كانوا لايمثلون أكثر من نصف في المائه،وهذا ماسمى بالاقطاع، أما الفلاح المصرى فقد كان أجيرا، حافيا، يعانى اضطهادا ويضطر للعمل بالسخرة في الإراضى التى تمتلكها العائلة المالكة والأتراك وبعض البشاوات والبكوات، ومما ذكره الرافعى في كتابه قوله "كانت الغالبية العظمى من الشعب تشكو الفقر وأبرز مظاهره انخفاض مستوى المعيشة إذا قيس بمستوى البلاد الأخرى، وكانت الحالة الاجتماعية تدعو أيضا إلى الثورة، وأهم مظاهرها فقدان العدالة الاجتماعية بين طبقات الشعب،كل ذلك في ظل وجود المحتل الإنجليزي الذى حول مصر إلى قاعدة عسكرية له،والذى أجبر الجيش المصرى على الدخول في الحربين العالميتين،وفى معاهدة 36 أصرت بريطانيا على أن تكون المورد الوحيد لتسليح الجيش المصرى فلما دخل الجيش حرب فلسطين امتنعت بريطانيا عن تزويده بالسلاح والذخيرة،وكان هذا الامتناع من اسباب هزيمة 48، ومن هذه اللحظة ثبت في نفوس ضباط الجيش المصرى بأن الاحتلال هو مصدر إضعاف الجيش وتجريد مصر من قوتها وأنه لا سبيل إلى إنشاء جيش قوى جدير بالمهمه الملقاه على عاتقه إلا إذا تحررت البلاد من الاحتلال،والذين يتحدثون عن رغد العيش قبل 52 نسوا أن مصر في 54 أى بعد الثورة بعامين فقط،وبعد إسقاط الملكية بعام واحد،لجأت إلى البنك الدولى ليقرضها كى تشرع في بناء السد، فلما رفض البنك الدولى قرر الرئيس عبد الناصر تأميم القناة،وهذا أكبر دليل على أن مصر كانت تعانى أزمة اقتصادية طوال السنوات السابقة على الثورة،بل ومنذ الاحتلال العثمانى في 1517،حيث عانت مصر ويلات الفقر،أما عن الديمقراطية المزعومة فحدث ولا حرج، يكفى أن نتذكر الأجواء السائدة في مصر آنذاك كالحرس الحديدى والبوليس السياسى والاغتيالات والجماعات السرية والمعتقلات التى عانى منها الإخوان أنفسهم قبل قيام الثورة والتى تغنوا بها وبقائدها وكتبوا شعرًا في عبدالناصر ورفاقه، فلما اختلفوا معه في 54 نعتوه بأقذر الصفات واتهموه بالخيانة والعمالة وأنه صنيع إسرائيل، ومن المدهش أن البعض يصدق هذه التخاريف، وأما المعتقلات التى دخلوها قبل 52 فقد نسوا أمرها وراحوا يتحدثون عن دولة من خيالهم فأوهموا جيلًا جديدًا لا يعرف شيئًا عما كانت تعانيه مصر بأن الضباط الأحرار قد استلموا جنة ثم حولوها إلى رماد،وهذا محض افتراء، فهم كما أحرقوا مصر في 28 يناير 2011 أحرقوها في 26 يناير52، فما أشبه الليلة بالبارحة، إذ خرجت المظاهرات في شوارع القاهرة احتجاجًا على ما حدث في الاسماعلية من قتل رجال الشرطة على يد الانجليز،وأثناء المظاهرات قام البعض بإشعال الحريق في كازينو بالاوبرا ولما جاء رجال المطافى لإخماد الحريق منعهم المتظاهرون واتلفوا خراطيم المياة" وكان إضرام النار في هذا الكازينو نذيرًا ببدأ حريق القاهرة حتى غدت بشوارعها وميادينها اطلالًا وخرائب، فيا سادتى الكرام هذه هى حقيقة الأوضاع في مصر قبل 52 وليس ما يقال على فيس بوك، ولهذا جاء ببيان الثورة "بنو وطنى، اجتازت مصر مرحلة عصيبة من الفساد والرشوة وعدم استقرار الحكم".