لا يتجاوز الموقف المصرى مما يحدث فى ليبيا.. طور الاهتمام بأمنها القومى وعمقها الاستراتيجى.. ولم يرتق بعد لوصف التدخل المباشر.. وهذا الاهتمام له ما يبرره.. فليبيا امتداد طبيعى وعمق إقليمى وجارة لمصر.. تربطهما روابط الدم واللغة والتاريخ والحدود المشتركة التى تمتد لأكثر من ألف كيلو متر.. تلك الحدود غير المأهولة بالسكان لوعورتها ووجود بحر الرمال الأعظم والصحراء المفتوحة والتلال والوهاد والهضاب.. والتى يصعب مراقبتها والسيطرة عليها من الجانب الليبى.. مما يجعلها تربة خصبة وملجأ آمنًا لجماعات الخراب والإرهاب.. التى يريد الرئيس التركى رجب طيب اردوغان.. نقلها بعيدا عن حدوده.. بعد أن انتهى دورها فى سوريا والعراق.
أما الموقف التركى فى ليبيا.. فليس له ما يبرره.. فتركيا ليست دولة جوار لليبيا.. ولا تربط بينهما أى روابط طبيعية أو تاريخية.. سوى تلك الفترة المظلمة التى احتل فيها العثمانيون ليبيا.. والتى يحلم وريثهم بأن يعيدها ويحييها.. ليستكمل نهب ثروات ليبيا وخيراتها.. والغريب أن اردوغان ببجاحته المعهودة.. يستغرب موقف مصر من ليبيا.. ويقول أنه غير شرعي.. ولا يستغرب موقفه هو نفسه.. وتواجده غير الشرعى على أرض ليست ارضه.. ولا علاقة له بها من قريب أو بعيد.
لقد أصيب أردوغان بالإحباط والحسرة.. عندما أفشلت مصر مشروعه لإحياء الخلافة والسلطنة العثمانية.. بإزاحة حلفائه الإخوان من الحكم.. ومنذ ذلك الوقت.. لا يجد فرصة لمضايقة مصر إلا واستغلها.. فقد ارسل مرتزقته من الإرهابيين إلى سيناء.. ودعمهم بالمال والعتاد.. وعندما تمكن الجيش المصرى من دحرهم وحصرهم فى منطقة محدودة من الجبال والكهوف.. حول أردوغان وجهته من الشرق إلى الغرب.. وأرسل مرتزقته إلى ليبيا.
لقد التزمت مصر بسياسة ضبط النفس.. تجاه تصرفات وتجاوزات اردوغان فى ليبيا.. وفى غيرها من الاماكن التى تهدد الأمن المصرى.. وطالبت المجتمع الدولى ومنظماته التدخل لوقف تلك التجاوزات.. وحل القضية الليبية سلميا.. ولكن موقف المجتمع الدولى من الوضع فى ليبيا.. والوجود التركى بها.. غريب ومريب وباهت ومائع.. فهو لا يدين تجاوزات أردوغان ولا يقرها.. كأن الوضع فى ليبيا خارج اهتماماته.. أو أن الوضع هناك.. يأتى على هواه.. مع انه لو أراد إنهاء النزاع الليبى فى وقت قصير لفعل.
لقد طالب جميع الفعاليات الدولية التى عقدت من أجل ليبيا.. بحل النزاع سلميا.. وعدم مد أطراف النزاع بالسلاح.. ومع ذلك ترى جميع القوى الدولية أردوغان.. ينقل مرتزقته وسلاحه إلى ليبيا.. ولا يحركون ساكنا.. ويغضون الطرف عن تصرفاته.. ويكتفون بإدانتها على استحياء.. دون اتخاذ موقف حاسم.. لتنفيذ قراراتهم.. التى لا تساوى ثمن الحبر الذى كتبت به.. ولا الورق الذى سطرت عليه.. وكأنهم يريدون أن يبقى الوضع على ما هو عليه.
هذا المجتمع الدولى الذى انكوى بنار الإرهاب.. يرى هؤلاء المرتزقة المأجورين.. وتلك الجماعات الإرهابية.. يرتعون فى الأراضى الليبية.. ويهددون أمن البلدان المجاورة.. خاصة مصر.. ويعلمون أن مصر اصابتها اضرار كثيرة.. بسبب تواجد هؤلاء الإرهابيين على حدودها.. وتسللهم لداخلها.. وارتكابهم جرائم إرهابية.. سمع بها القاصى والداني.. وإذا كان الكيان الدولى ممثلا فى منظماته وقواه الكبرى.. عاجزا عن ردع هؤلاء.. ودرء خطرهم.. فإن مصر لن تقف مكتوفة الأيدى فى مواجهة أى تحركات وتجاوزات تشكل تهديدًا لأمنها القومي.. وهى قادرة على سحق هولاء المرتزقة بشكل حاسم وسريع.. فى إطار ما منحته لها المواثيق والقوانين الدولية.. ولا لوم عليها.. فهى طالبت المجتمع الدولى كثيرا.. بأن يضطلع بدوره المنصوص عليه فى مواثيق منظماته.. ولكن المجتمع الدولى لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم.. وكأنه كما قال الشاعر عمرو بن معديكرب.. «قد أسمعت لو ناديت حيا... ولكن لا حياة لمن تنادى.. ولو نار نفخت بها أضاءت... ولكن أنت تنفخ فى رماد».