الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عندما يكون حُضن "حليم" ضد الحزن

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
(عبد الحليم حافظ وأغنية بالأحضان ـ 1961)
ــ بالأحضان بالأحضان بالأحضان
ــ بالأحضان يا بلادنا يا حلوة بالأحضان
ــ ياما لفيت سواح متغرب
ــ وانا دمي بحبك متشرب
ــ ابعد عنك قلبي يقرب
ــ ويرفرف ع النيل عطشان
**كيف يمكن لفعل بسيط أن يمنحك هذه البهجة؟
أن يشعرك بالأمان والاطمئنان وأن الحياة تستحق أن تعيشها، كيف لفعل بسيط كهذا أن يهبك طاقة ايجابية هائلة تمكنك من استيعاب العقبات التي تواجهك بل وتتغلب عليها، كبف لفعل بسيط هكذا أن يبدد طاقتك السلبية ويبعثرها في رحاب الدفء والملامسة.
إنه الحُضن، العناق، جدار الصد الذي يقى من الصدمات، حِصن المحبين الذي يتحصنون به ضد الحزن والوحدة.
********
(القاهرة ـ مدينة نصر ـ 2020) 
ــ في معادك يتلموا ولادك يا حبيبتي وتعود أعيادك 
ــ والغايب مايطيقش بعادك يرجع ياخدك بالأحضان
ــ بالأحضان يا جناين يا مداين 
ــ يا شوارع يا أغاني بالأحضان
ــ نور عيني وحبايبي
ــ وعزاز أوي على قلبي بالأحضان 
** في الطريق الى منزل ابنتي بحي التجمع الخامس، أقود سيارتي بعد شهر كامل ثلاثين يوما 720 ساعة، تدعونا ابنتي وزوجها على الغداء بعد أن هاتفتني: وحشتيني يا أمي مش قادرة أبعد عنك أكثر من كده، بعد شهر كامل ألتقي بأولادي وأحفادي الصغار، شهر كامل من العزلة وجميعهم بعيدون عني خوفا عليَّ نتيجة عملهم بالمستشفى والجامعة، خوفا أن يكونوا حاملين للفيروس، رغم أن المكالمات الصوتية اليومية بالفيديو كانت توهمنا أننا لم نبتعد عن بعض يوما، لكننا اتفقنا أخيرا أن نلتقي في بيتها شريطة أن نلبس الكمامات ونجلس متباعدين.
بعد نصف ساعة وصلت الى البيت، جرفتني مشاعري ولم أستطع التحكم بها، مجرد أن رأيتهم اندفعت نحوهم وألقيت بالكمامة من على وجهي وأخذتهم في أحضاني، أغرق وجوههم بعشرات القبل، أبعد وجههم عني قليلا لأتمعن في ملامحهم ثم أعود لأنهال عليهم بالقبلات. 
**********
(القاهرة ـ التجمع الخامس ـ 2020)
ــ اتقويت ورفعت الراس
ــ وبكيت فرحة وشوق وحماس
ــ وبقيت ماشي ف وسط الناس
ــ متباهي بحضنك فرحان
ــ بالأحضان بالأحضان بالأحضان 
** كنت قد بدأت السقوط في هوة الاكتئاب، فأنا بطبعي أحب الناس ولا أتخيل الحياة بدون أولادي وأصدقائي وأقاربي، لا تستقيم الحياة دونهم، يهاجمني المرض ويتغلب عليَّ الموت إن صاحبتني الوحدة.
لقائي بأولادي أعاد لي بهجة الحياة وزينتها، رأيت كل شئ جميلا فبادرت بالقول: "رائع يا حبيبتي، الأكل شهي جداً"، والسعادة تقفز من عينيها: صنع يدي والله يا أمي، من الصباح وأنا أطهو بالمطبخ لأجلك يا حبيبتي"، ما أخبار زملائك في المستشفى؟ طمنيني عليهم، هذا فيروس لعين باعد بيننا وبين من نحب يا أمي، صديقنا دكتور خالد ودكتورة هناء ودكتور ابراهيم توفاهم الله، وبقية أصدقائنا مُصرِّون ألا يتركوا المستشفيات حتى خروج آخر مريض من العزل، فإذا أعلنت وزارة الصحة عن التطوع في المستشفيات التي يجهزونها لرعاية المرضى لن أتأخر يا أمي سأذهب أنا وإخوتي دون تردد فلا تمنعيني ولا تقلقي .
*********
(القاهرة ـ مستشفى عين شمس التخصصي ـ 1998)
ــ بالأحضان يا حبيبتي يا أمي
ــ يا ملاذي يا غنيوة ف دمي
ــ على صدرك أرتاح من همي
ــ وبأمرك أشعلها نيران
ــ بالأحضان بالأحضان بالأحضان
** نحن الآن في مستشفى عين شمس التخصصي، منذ ما يقرب من عشرين عاما، بعد أن صرخت أمي دون سابق إنذار صرخة مدوية انخلع لها قلبي وسقطت مغشيا عليها، على باب الطوارئ ونحو ممر ضيق الى الأشعة المقطعية أسير بها على كرسي متحرك وهي ما زالت في إغماءتها، تستلمها مني الممرضة وأتابع من بعيد وقلبي يرتجف في انتظار النتيجة، أخرجوها الى العناية المركزة في القسم الخاص والتشخيص نزيف حاد في المخ، أخبرونا بعدم جدوى وجودنا وضرورة الذهاب الى منازلنا والعودة في اليوم التالي في مواعيد الزيارة، لم أجرؤ على تركها، ولكنهم اضطروني الى ذلك، في الصباح الباكر كنت أقف أمامها بعد أن ألححت على الممرضة كي تفتح شيش نافذة العناية لأتطلع اليها عن بعد من وراء الزجاج انتظارا لموعد الزيارة، بعد يومين تحسنت حالتها قليلا ونقلوها الى غرفة في الطابق الثاني، لازمناها أنا وأختي وتناوبنا على رعايتها، ولأنها دخلت المستشفى عن طريق الطوارئ، لم نتمكن من اختيار الطبيب الملائم لحالتها، أشرف عليها النواب الصغارمن الأطباء وسرقت أدويتها من الممرضات، بعد خضوعها للرنين المغناطيسي وانقضاء يومين دون تحسن نصحونا بالتوجه الى طبيب كبير في عيادته لمتابعة حالتها فأخبرنا بحاجتها لإجراء جراحة في المخ في حالة أن ارتفعت درجة الوعي لديها، لكن حالتها تدهورت، فطلبنا نقلها مرة أخرى للرعاية المركزة فرفضوا لأن حالتها متأخرة ولا فائدة منها حسب قولهم، ذهبنا الى طبيب كبير آخر في عيادته في جراحة المخ والأعصاب ليوصي بنقلها الى الرعاية بعد أن أصيبت بالتهاب رئوي وانخفضت درجة الوعي لديها أكثر من ذي قبل، تم بالفعل نقلها للرعاية بعد أن دخلت في غيبوبة ولكنها لم تستقر بها سوى أيام معدودة حتى توفاها الله بعد عشرة أيام من دخولها المستشفى، تمنيت وقتها بيني وبين نفسي أن تلتحق ابنتي بكلية الطب حتى تساعد من لا حيلة لهم سوى الله ومن بعده طبيب يؤدي عمله بضمير وإخلاص.
***********
(القاهرة ـ مدينة نصر ـ 2005)
ــ يارب اجعلنا نحقق كل خيال
ــ اجعل يومنا الواحد بكفاح أجيال
ــ فجر ينابيع الخير قدامنا
ــ المستقبل خليه نور قدامنا
ــ بارك في ولادنا وجهادنا
ــ يارب يارحمن
** وتمر السنوات ونصل الى الثانوية العامة ويأتي وقت كتابة الرغبات بعد أن حصلت ابنتي الكبرى على 99% من المجموع الكلي، ونتشاور ولا نتردد في أن نكتب "كلية الطب" جامعة عين شمس، وتليها ابنتي الوسطى ونكتب "كلية الأسنان" جامعة عين شمس ثم ابني حبيبي ونكتب "كلية الصيدلة" جامعة عين شمس، وتتحقق الأمنيات وأتذكر أمي وأيام المستشفى المؤلمة، وأقول لنفسي: ليتك معنا يا حبيبتي لتري أحفادك، فلو أطال الله في عمرك لكانوا اعتنوا بكِ وبذلوا المستحيل من أجلك، لكن لا راد لقضاء الله و" لو" تفتح باب الشيطان .